الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 59 ] بسم الله الرحمن الرحيم

لا إله إلا الله محمد رسول الله ، الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين .

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون .

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل .

والله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا .

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا .

[ ص: 60 ] الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور .

الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم .

وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم :

له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم .

الأحد ، الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الملك ، القدوس ، السلام المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، [ ص: 61 ] الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، له الأسماء الحسنى ، يسبح له ما في السماوات والأرض ، وهو العزيز الحكيم .

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ; ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا ، أرسله بالحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، أرسله إلى جميع الثقلين الجن والإنس عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم ، وأنزل عليه :

أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد .

كتاب أنزله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ويهديهم :

إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض .

هداهم به إلى صراط مستقيم ، صراط الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم من [ ص: 62 ] النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وهو دين الله الذي بعث به الرسل قبله ، كما قال تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .

وقال تعالى : ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون .

وقال في الآية الأخرى : وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون .

وقال تعالى :

[ ص: 63 ] وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون .

وقال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين .

أنزل عليه الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ، فصدق كتابه ما بين يديه من كتب السماء ، وأمر بالإيمان بجميع الأنبياء ، كما قال تعالى : قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم .

[ ص: 64 ] وهيمن على ما بين يديه من الكتاب ، وذلك يعم الكتب كلها ، شاهدا وحاكما ومؤتمنا ، يشهد بمثل ما فيها من الأخبار الصادقة .

وقرر ما في الكتاب الأول من أصول الدين وشرائعه الجامعة التي اتفقت عليها الرسل ، كالوصايا المذكورة في آخر الأنعام ، وأول الأعراف ، وسورة سبحان ، ونحوها من السور المكية .

قال تعالى :

[ ص: 65 ] قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون .

وقال تعالى :

قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون .

وقال تعالى :

[ ص: 66 ] وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا .

فدين الأنبياء والمرسلين دين واحد ، وإن كان لكل من التوراة والإنجيل والقرآن شرعة ومنهاج ، ولهذا قال صلى الله عليه [ ص: 67 ] وسلم في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد ، وإن أولى الناس بابن مريم لأنا ، إنه ليس بيني وبينه نبي .

فدين المرسلين يخالف دين المشركين المبتدعين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا .

[ ص: 68 ] قال تعالى : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون .

وقال تعالى : وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون .

وقال تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب .

وقد خص الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم [ ص: 69 ] بخصائص ميزه بها على جميع الأنبياء والمرسلين ، وجعل له شرعة ومنهاجا ، أفضل شرعة وأكمل منهاج .

كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، فهم يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله من جميع الأجناس ، هداهم الله بكتابه ورسوله لما اختلفوا فيه من الحق قبلهم ، وجعلهم وسطا عدلا خيارا ، فهم وسط في توحيد الله وأسمائه وصفاته ، وفي الإيمان برسله ، وكتبه ، وشرائع دينه من الأمر ، والنهي ، والحلال ، والحرام .

فأمرهم بالمعروف ، ونهاهم عن المنكر ، وأحل لهم الطيبات ، وحرم عليهم الخبائث ، لم يحرم عليهم شيئا من الطيبات كما حرم على اليهود ، ولم يحل لهم شيئا من الخبائث كما استحلتها النصارى ، ولم يضيق عليهم باب الطهارة ، والنجاسة كما ضيق على اليهود ، ولم يرفع عنهم طهارة الحدث ، والخبث كما رفعته النصارى ، فلا يوجبون الطهارة من الجنابة ولا الوضوء للصلاة ، ولا اجتناب النجاسة في الصلاة ، بل يعد كثير من عبادهم مباشرة النجاسات من أنواع القرب والطاعات حتى يقال في فضائل الراهب : " له أربعون سنة ما مس الماء " ، ولهذا تركوا الختان [ ص: 70 ] مع أنه شرع إبراهيم الخليل عليه السلام وأتباعه .

واليهود إذا حاضت عندهم المرأة ، لا يؤاكلونها ، ولا يشاربونها ، ولا يقعدون معها في بيت واحد ، والنصارى لا يحرمون وطء الحائض .

وكان اليهود لا يرون إزالة النجاسة ، بل إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه بالمقراض ، والنصارى ليس عندهم شيء نجس يحرم أكله أو تحرم الصلاة معه .

[ ص: 71 ] ولذلك المسلمون وسط في الشريعة ; فلم يجحدوا شرعه الناسخ لأجل شرعه المنسوخ ، كما فعلت اليهود ، ولا غيروا شيئا من شرعه المحكم ، ولا ابتدعوا شرعا لم يأذن به الله كما فعلت النصارى ، ولا غلوا في الأنبياء والصالحين كغلو النصارى ، ولا بخسوهم حقوقهم كفعل اليهود ، ولا جعلوا الخالق سبحانه متصفا بخصائص المخلوق ، ونقائضه ، ومعايبه من الفقر ، والبخل ، والعجز ، كفعل اليهود ، ولا المخلوق متصفا بخصائص الخالق سبحانه التي ليس كمثله فيها شيء كفعل النصارى ، ولم يستكبروا عن عبادته كفعل اليهود ، ولا أشركوا بعبادته أحدا كفعل النصارى .

وأهل السنة ، والجماعة في الإسلام كأهل الإسلام في أهل الملل ، فهم وسط في باب صفات الله عز وجل بين أهل الجحد والتعطيل ، وبين أهل التشبيه والتمثيل ، يصفون الله بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسله من غير تعطيل ، ولا تمثيل إثباتا لصفات الكمال ، وتنزيها له عن أن يكون له فيها أنداد ، وأمثال ، إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل . كما قال تعالى : ليس كمثله شيء ردا على الممثلة ، وهو السميع البصير [ ص: 72 ] ردا على المعطلة .

[ ص: 73 ] وقال تعالى : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .

فالصمد : السيد المستوجب لصفات الكمال ، والأحد : الذي ليس له كفو ، ولا مثال ، وهم وسط في باب أفعال الله عز وجل بين المعتزلة المكذبين للقدر ، والجبرية النافين لحكمة الله ورحمته [ ص: 74 ] وعدله ، والمعارضين بالقدر أمر الله ، ونهيه ، وثوابه ، وعقابه .

وفي باب الوعد والوعيد ، بين الوعيدية الذين يقولون بتخليد [ ص: 75 ] عصاة المسلمين في النار ، وبين المرجئة الذين يجحدون بعض الوعيد ، وما فضل الله به الأبرار على الفجار .

وهم وسط في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بين الغالي في بعضهم الذي يقول بإلهية ، أو نبوة ، أو عصمة ، والجافي فيهم الذي يكفر بعضهم ، أو يفسقه ، وهم خيار هذه الأمة .

[ ص: 76 ] والله سبحانه أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم للناس رحمة وأنعم به نعمة يا لها من نعمة .

قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .

وقال تعالى ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا .

وهم الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ; فإرساله أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده ، يجمع الله لأمته بخاتم المرسلين ، وإمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين ، ما فرقه في غيرهم من الفضائل ، وزادهم من فضله أنواع الفواضل بل أتاهم كفلين من رحمته كما قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

[ ص: 77 ] وفي الصحيحين عن ابن عمر ، وأبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ، ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس ، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال : من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار ، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ، ثم قال من يعمل من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ألا لكم الأجر مرتين . فغضبت اليهود والنصارى ، فقالوا نحن أكثر عملا ، وأقل عطاء ، [ ص: 78 ] فقال الله تعالى : فهل ظلمتكم من حقكم شيئا ، قالوا : لا ، قال الله تعالى ، فإنه فضلي أعطيه من شئت .

أما بعد : فإن الله تبارك وتعالى جعل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وأكمل له ولأمته الدين ، وبعثه على حين فترة من الرسل وظهور الكفر ، وانطماس السبل ، فأحيا به ما درس من معالم الإيمان ، وقمع به أهل الشرك من عباد الأوثان ، والنيران ، والصلبان ، وأذل به كفار أهل الكتاب أهل الشك والارتياب ، وأقام به منار دينه الذي ارتضاه ، وشاد به ذكر من اجتباه من عباده واصطفاه ، وأظهر به ما كان مخفيا عند أهل الكتاب ، وأبان به ما عدلوا فيه عن منهج الصواب ، وحقق به صدق التوراة ، والزبور ، والإنجيل ، وأماط به عنها ما ليس بحقها من باطل التحريف ، والتبديل .

[ ص: 79 ] وكان من سنة الله تبارك وتعالى مواترة الرسل ، وتعميم الخلق بهم ، بحيث يبعث في كل أمة رسولا ; ليقيم هداه ، وحجته ، كما قال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت .

وقال تعالى : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير .

وقال تعالى : ثم أرسلنا رسلنا تترى .

وقال تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما .

ولما أهبط آدم إلى الأرض ، قال تعالى : [ ص: 80 ] قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .

وقال تعالى عن أهل النار : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير .

وقال تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا .

وقال تعالى : يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون .

التالي السابق


الخدمات العلمية