الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 87 ] وكذلك سائر أعداء الأنبياء من المجرمين شياطين الإنس والجن ، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به على دينهم المخالف لدين الرسول ، ويموهون في ذلك بما يلفقونه من منقول ومعقول - كان ذلك من أسباب ظهور الإيمان الذي وعد بظهوره على الدين كله بالبيان والحجة والبرهان ثم بالسيف واليد والسنان .

قال الله تعالى : لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز .

وذلك بما يقيمه الله تبارك وتعالى من الآيات والدلائل التي يظهر بها الحق من الباطل ، والخالي من العاطل ، والهدى من الضلال ، والصدق من المحال ، والغي من الرشاد ، والصلاح من الفساد ، والخطأ من السداد ، وهذا كالمحنة للرجال التي تميز بين الخبيث والطيب . قال تعالى : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب .

[ ص: 88 ] وقال تعالى : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون .

والفتنة هي الامتحان والاختبار ، كما قال موسى عليه السلام : إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء .

أي امتحانك واختبارك تضل بها من خالف الرسل وتهدي بها من اتبعهم .

والفتنة للإنسان كفتنة الذهب إذا أدخل كير الامتحان ، فإنها تميز جيده من رديئه ، فالحق كالذهب الخالص ، كلما امتحن ازداد جودة ، والباطل كالمغشوش المضيء ، إذا امتحن ظهر فساده .

فالدين الحق كلما نظر فيه الناظر ، وناظر عنه المناظر ، ظهرت له البراهين ، وقوي به اليقين ، وازداد به إيمان المؤمنين ، وأشرق نوره في صدور العالمين .

والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل ، ورام أن يقيم عوده المائل ، أقام الله تبارك وتعالى من يقذف بالحق على الباطل [ ص: 89 ] فيدمغه فإذا هو زاهق ، وتبين أن صاحبه الأحمق كاذب مائق ، وظهر فيه من القبح والفساد ، والحلول ، والاتحاد ، والتناقض [ ص: 90 ] والإلحاد ، والكفر ، والضلال ، والجهل والمحال ، ما يظهر به لعموم الرجال أن أهله من أضل الضلال ، حتى يظهر فيه من الفساد ما لم يكن يعرفه أكثر العباد ، ويتنبه بذلك من سنة الرقاد من كان لا يميز الغي من الرشاد ، ويحيا بالعلم والإيمان من كان ميت القلب لا يعرف معروف الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، ولا ينكر منكر المغضوب عليهم والضالين ، فإن ما ذم الله به اليهود والنصارى في كتابه مثل تكذيب الحق المخالف للهوى ، والاستكبار عن قبوله ، وحسد أهله ، والبغي عليهم ، واتباع سبيل الغي ، والبخل ، والجبن ، وقسوة القلوب ، ووصف الله سبحانه وتعالى بمثل عيوب المخلوقين ، ونقائصهم ، وجحد ما وصف به نفسه من صفات [ ص: 91 ] الكمال المختصة به التي لا يماثله فيها مخلوق ، وبمثل الغلو في الأنبياء والصالحين والإشراك في العبادة لرب العالمين ، والقول بالحلول والاتحاد الذي يجعل العبد المخلوق هو رب العباد ، والخروج في أعمال الدين عن شرائع الأنبياء والمرسلين ، والعمل بمجرد هوى القلب وذوقه ووجده في الدين من غير اتباع العلم الذي أنزله الله في كتابه المبين ، واتخاذ أكابر العلماء ، والعباد أربابا يتبعون فيما يبتدعونه من الدين المخالف للأنبياء عليهم السلام كما قال تعالى : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون .

ومخالفة صريح المعقول وصحيح المنقول ، بما يظن أنه من التنزلات الإلهية ، والفتوحات القدسية ، مع كونه من وساوس اللعين ، حتى يكون صاحبها ممن قال الله فيه : وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير .

وقال تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل .

[ ص: 92 ] إلى غير ذلك من أنواع البدع والضلالات ، التي ذم الله بها أهل الكتابين ، فإنها مما حذر الله منه هذه الأمة الأخيار ، وجعل ما حل بها عبرة لأولي الأبصار .

التالي السابق


الخدمات العلمية