الفصل السادس عشر : في كلام الشجرة ، وشهادتها له بالنبوة ، وإجابتها دعوته
[ قال حدثنا أحمد بن محمد بن غلبون الشيخ الصالح فيما أجاز فيه عن ، عن أبي عمرو الطلمنكي ، عن أبي بكر بن المهندس ، حدثنا أبي القاسم البغوي أحمد بن عمران الأخنسي ، حدثنا أبو حيان التيمي ، وكان صدوقا عن مجاهد ، عن قال : ابن عمر وعن كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفره ، فدنا منه أعرابي ، فقال : يا أعرابي ، أين تريد ؟ قال : إلى أهلي . قال : هل لك إلى خير ؟ قال : وما هو ؟ قال : تشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ، ورسوله قال : من يشهد لك على ما تقول ؟ قال : هذه الشجرة السمرة ، وهي بشاطئ الوادي ، فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا أنه كما قال ثم رجعت إلى مكانها بريدة : سأل أعرابي النبي - صلى الله عليه وسلم - آية ، فقال له : قل لتلك الشجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوك .
قال : فمالت الشجرة عن يمينها ، وشمالها ، وبين يديها ، وخلفها ، فتقطعت عروقها ، ثم جاءت تخد الأرض تجر عروقها مغبرة حتى ، وقفت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : السلام عليك يا رسول الله .
قال الأعرابي : مرها فلترجع إلى منبتها ، فرجعت ، فدلت عروقها فاستوت .
فقال الأعرابي : ائذن لي أسجد لك .
قال : لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . قال : فأذن لي أن أقبل يديك ، ورجليك ، فأذن له .
وفي الصحيح في حديث الطويل : جابر بن عبد الله . ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 304 ] يقضي حاجته ، فلم ير شيئا يستتر به ، فإذا بشجرتين في شاطئ الوادي ، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إحداهما ، فأخذ بغصن من أغصانها ، فقال : انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده
وذكر أنه فعل بالأخرى مثل ذلك ، حتى إذا كان بالمنصف بينهما قال : التئما علي بإذن الله فالتأمتا .
وفي رواية أخرى : فقال : يا جابر ، قل لهذه الشجرة : يقول لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما ففعلت ، فرجعت حتى لحقت بصاحبتها فجلس خلفهما ، فخرجت أحضر ، وجلست أحدث نفسي ، فالتفت فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبلا ، والشجرتان قد افترقتا ، فقامت كل واحدة منهما على ساق ، فوقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقفة ، فقال برأسه هكذا يمينا ، وشمالا .
وروى نحوه ، قال : أسامة بن زيد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه : هل تعني مكانا لحاجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقلت : إن الوادي ما فيه موضع بالناس . فقال : هل ترى من نخل أو حجارة ؟ قلت : أرى نخلات متقاربات . قال : انطلق ، وقل لهن : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركن أن تأتين لمخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقل للحجارة مثل ذلك .
فقلت ذلك لهن ، فوالذي بعثه بالحق ، لقد رأيت النخلات يتقاربن حتى اجتمعن ، والحجارة يتعاقدن حتى صرن ركاما خلفهن .
فلما قضى حاجته قال لي : قل لهن يفترقن ، فوالذي نفسي بيده لرأيتهن ، والحجارة يفترقن حتى عدن إلى مواضعهن .
وقال يعلى بن سبابة : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير . . . وذكر نحوا من هذين الحديثين ، وذكر : فأمر ، وديتين فانضمتا . وفي رواية : أشاءتين .
وعن غيلان بن سلمة الثقفي مثله : في شجرتين .
وعن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله في غزاة ابن مسعود حنين .
وعن يعلى بن مرة ، وهو ابن سبابة أيضا ، وذكر أشياء رآها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر أن طلحة أو سمرة جاءت فأطافت به ، ثم رجعت إلى منبتها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنها استأذنت أن تسلم علي .
وفي حديث - رضي الله عنه - : عبد الله بن مسعود آذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجن ليلة استمعوا له شجرة .
وعن مجاهد ، عن في [ ص: 305 ] هذا الحديث : ابن مسعود أن . - تعالي - يا شجرة ، فجاءت تجر عروقها لها قعاقع . . الجن قالوا : من يشهد لك ؟ قال : هذه الشجرة
وذكر مثل الحديث الأول أو نحوه .
قال القاضي أبو الفضل : فهذا ، ابن عمر وبريدة ، وجابر ، ، وابن مسعود ويعلى بن مرة ، ، وأسامة بن زيد ، وأنس بن مالك ، وعلي بن أبي طالب ، وغيرهم ، قد اتفقوا على هذه القصة نفسها أو معناها . وابن عباس
وقد رواها عنهم من التابعين أضعافهم ، فصارت في انتشارها من القوة حيث هي .
وذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - سار في غزوة ابن فورك الطائف ليلا وهو وسن ، فاعترضته سدرة ، فانفرجت له نصفين حتى جاز بينهما ، وبقيت على ساقين إلى وقتنا هذا وهي هناك معروفة معظمة .
ومن ذلك حديث أنس - رضي الله عنه -
قال : مرها فلترجع ، فعادت إلى مكانها . أن جبريل - عليه السلام - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ورآه حزينا : أتحب أن أريك آية ؟ قال : نعم ، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شجرة من وراء الوادي ، فقال : ادع تلك الشجرة ، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه .
وعن علي نحو هذا ، ولم يذكر فيها جبريل ، قال : اللهم أرني آية لا أبالي من كذبني بعدها فدعا شجرة . . . وذكر مثله .
وحزنه - صلى الله عليه وسلم - لتكذيب قومه ، وطلبه الآية لهم لا له .
وذكر ابن إسحاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرى ركانة مثل هذه الآية في شجرة دعاها فأتت حتى ، وقفت بين يديه ، ثم قال : ارجعي ، فرجعت .
وعن الحسن أنه - صلى الله عليه وسلم - شكا إلى ربه من قومه ، وأنهم يخوفونه ، وسأله آية يعلم بها ألا مخافة عليه ، فأوحى إليه ائت وادي كذا فيه شجرة ، فادع غصنا منها يأتك . ففعل ، فجاء يخط الأرض خطا حتى انتصب بين يديه ، فحبسه ما شاء الله ، ثم قال له : ارجع كما جئت فرجع ، فقال : يا رب ، علمت أن لا مخافة علي .
ونحو منه عن عمر ، وقال فيه : أرني آية لا أبالي من كذبني بعدها . . . وذكر نحوه .
وعن - رضي الله عنهما - ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأعرابي : أرأيت إن دعوت هذا العذق من [ ص: 306 ] هذه النخلة أتشهد أني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، فدعاه فجعل ينقر حتى أتاه . فقال : ارجع فعاد إلى مكانه
وخرجه الترمذي ، وقال : هذا حديث صحيح .