ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة السكينة
هذه المنزلة من منازل المواهب . لا من منازل المكاسب . وقد ذكر الله سبحانه السكينة في كتابه في ستة مواضع .
الأول : قوله تعالى : وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم .
الثاني : قوله تعالى : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين .
الثالث : قوله تعالى : إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها .
الرابع : قوله تعالى : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما .
[ ص: 471 ] الخامس : قوله تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا .
السادس : قوله تعالى : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . الآية .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إذا اشتدت عليه الأمور : قرأ آيات السكينة .
وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه ، تعجز العقول عن حملها - من محاربة أرواح شيطانية ، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة - قال : فلما اشتد علي الأمر ، قلت لأقاربي ومن حولي : اقرءوا آيات السكينة ، قال : ثم أقلع عني ذلك الحال ، وجلست وما بي قلبة .
وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه . فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته .
وأصل السكينة هي الطمأنينة والوقار ، والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده ، عند اضطرابه من شدة المخاوف . فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه . ويوجب له زيادة الإيمان ، وقوة اليقين والثبات .
ولهذا أخبر سبحانه عن إنزالها على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب . كيوم الهجرة ، إذ هو وصاحبه في الغار والعدو فوق رءوسهم . لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما . وكيوم حنين ، حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار ، لا يلوي أحد منهم على أحد . وكيوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم ، ودخولهم تحت شروطهم التي لا تحملها النفوس . وحسبك بضعف عمر رضي الله عنه عن حملها - وهو عمر - حتى ثبته الله رضي الله عنه . بالصديق
قال رضي الله عنهما : كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة ، إلا التي في سورة البقرة . ابن عباس
وفي الصحيحين عن رضي الله عنهما : قال : البراء بن عازب الخندق ، حتى وارى التراب جلدة بطنه . وهو يرتجز بكلمة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينقل [ ص: 472 ] من تراب رضي الله عنه : عبد الله بن رواحة
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا إن الأولى قد بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا