الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) الخلو عن الشروط الفاسدة وهي أنواع .

                                                                                                                                منها : شرط في وجوده غرر نحو ما إذا اشترى ناقة على أنها حامل ; لأن المشروط لا يحتمل الوجود والعدم ولا يمكن الوقوف عليه للحال ; لأن عظم البطن والتحرك يحتمل أن يكون لعارض داء أو غيره فكان في وجوده غرر فيوجب فساد البيع لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن بيع وغرر } والمنهي عنه فاسد وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أن البيع بهذا الشرط جائز ; لأن كونها حاملا بمنزلة شرط كون العبد كاتبا أو خياطا ونحو ذلك وذا جائز فكذا هذا ولو اشترى جارية على أنها حامل إلا رواية فيه عن أصحابنا واختلف المشايخ فيه قال بعضهم : لا يجوز البيع قياسا على البهائم وإليه أشار محمد رحمه الله في البيوع فإنه قال : لو باع وتبرأ من حملها ; جاز البيع وليس هذا كالشرط وظاهر قوله : وليس هذا كالشرط يشير إلى أن شرط الخيار فيه مفسد .

                                                                                                                                وقال بعضهم : يجوز ; لأن الحبل في الجواري عيب بدليل أنه لو اشترى [ ص: 169 ] جارية فوجدها حاملا له أن يردها فكان ذكر الحبل في الجواري إبراء عن هذا العيب بخلاف البهائم ; لأن الحبل فيها زيادة ; ألا ترى أنه لو اشترى بهيمة فوجدها حاملا ليس له حق الرد فكان ذكر الحبل فيها شرطا ، في وجوده غرر ; فيفسد البيع وبعضهم فصل فيه تفصيلا فقال : إن اشتراها ليتخذها ظئرا فالبيع فاسد ; لأنه شرط زيادة في وجودها خطر وهي مجهولة أيضا فأشبه اشتراط الحبل في بيع الناقة وإن لم يرد بالشراء ذلك جاز البيع ; لأن ذكره يكون إبراء عن هذا العيب على ما بينا .

                                                                                                                                ولو اشترى ناقة وهي حامل على أنها تضع حملها إلى شهر أو شهرين فالبيع فاسد ; لأن في وجود هذا الشرط غررا ، وكذا لو اشترى بقرة على أنها تحلب كذا كذا رطلا لما قلنا ولو اشترى بقرة على أنها حلوبة لم يذكر هذا في ظاهر الرواية ، وروى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يجوز وهو قياس روايته في شرط الحبل .

                                                                                                                                ( ووجهه ) أن شرط كونها حلوبة شرط زيادة صفة فأشبه شرط الطبخ والخبز في الجواري ، وروى ابن سماعة في نوادره عن محمد رحمهما الله أنه لا يجوز وهو اختيار الكرخي رحمه الله .

                                                                                                                                ( ووجهه ) أن هذا شرط زيادة فيجري في وجودها غرر وهو مجهول وهو اللبن فلا يصلح شرطا في البيع ، وكونها حلوبة إن كان صفة لها لكنها لا توصف به إلا بوجود اللبن وفي وجوده غرر وجهالة على ما ذكرنا فيوجب فساد البيع ، ولو اشترى بقرة على أنها لبون ذكر الطحاوي أن هذا الشرط لا يفسد البيع والجواب فيه كالجواب في الحلوبة والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية