فلا حج على المملوك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ومنها الحرية } ، ولأن الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج بقوله تعالى : { أيما عبد حج عشر حجج فعليه حجة الإسلام إذا أعتق ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ، ولا استطاعة بدون ملك الزاد ، والراحلة لما نذكر إن شاء الله تعالى ، ولا ملك للعبد ; لأنه مملوك فلا يكون مالكا بالإذن فلم يوجد شرط الوجوب ، وسواء أذن له المولى بالحج أو لا ; لأنه لا يصير مالكا إلا بالإذن فلم يجب الحج عليه فيكون ما حج في حال الرق تطوعا ، ولأن ما روينا من الحديث لا يفصل بين الإذن ، وعدم الإذن ، فلا يقع حجه عن حجة الإسلام بحال بخلاف الفقير لأنه لا يجب الحج عليه في الابتداء ثم إذا حج بالسؤال من الناس يجوز ذلك عن حجة الإسلام حتى لو أيسر لا يلزمه حجة أخرى ; لأن الاستطاعة بملك الزاد ، والراحلة ، ومنافع البدن شرط الوجوب ; لأن الحج يقام بالمال ، والبدن جميعا ، والعبد لا يملك شيئا من ذلك فلم يجب عليه ابتداء ، وانتهاء ، والفقير يملك منافع نفسه إذ لا ملك لأحد فيها إلا أنه ليس له ملك الزاد ، والراحلة وإنه شرط ابتداء الوجوب ، فامتنع الوجوب في الابتداء فإذا بلغ مكة ، وهو يملك منافع بدنه فقد قدر على الحج بالمشي ، وقليل زاد فوجب عليه الحج ، فإذا أدى وقع عن حجة الإسلام ، فأما العبد فمنافع بدنه ملك مولاه ابتداء ، وانتهاء ما دام عبدا فلا يكون قادرا على الحج ابتداء ، وانتهاء فلم يجب عليه ، ولهذا قلنا : إن الفقير إذا حضر القتال يضرب له بسهم كامل كسائر من فرض عليه القتال ، وإن كان لا يجب [ ص: 121 ] عليه الجهاد ابتداء ، والعبد إذا شهد الوقعة لا يضرب له بسهم الحر بل يرضخ له ، وما افترقا إلا لما ذكرنا ، وهذا بخلاف العبد إذا شهد الجمعة ، وصلى أنه يقع فرضا ، وإن كان لا تجب عليه الجمعة في الابتداء ; لأن منافع العبد مملوكة للمولى ، والعبد محجور عن التصرف في ملك مولاه نظرا للمولى إلا قدر ما استثني عن ملكه من الصلوات الخمس ، فإنه مبقى فيها على أصل الحرية لحكمة الله تعالى في ذلك ، وليس في ذلك كبير ضرر بالمولى ; لأنها تتأدى بمنافع البدن في ساعات قليلة ، فيكون فيه نفع العبد من غير ضرر بالمولى ، فإذا حضر الجمعة ، وفاتت المنافع بسبب السعي فيعد ذلك الظهر ، والجمعة سواء ، فنظر المالك في جواز الجمعة إذ لو لم يجز له ذلك يجب عليه أداء الظهر ثانيا فيزيد الضرر في حق المولى بخلاف الحج ، والجهاد فإنهما لا يؤديان إلا بالمال ، والنفس في مدة طويلة ، وفيه ضرر بالمولى بفوات ماله ، وتعطيل كثير من منافع العبد فلم يجعل مبقى على أصل الحرية في حق هاتين العبادتين ، ولو قلنا بالجواز عن الفرض إذا وجد من العبد يتبادر العبيد إلى الأداء لكون الحج عبادة مرغوبة .
وكذا الجهاد فيؤدي إلى الإضرار بالمولى ، فالشرع حجر عليهم ، وسد هذا الباب نظرا بالمولى حتى لا يجب إلا بملك الزاد ، والراحلة ، وملك منافع البدن .
ولو بعرفة فإن مضى على إحرامه ، يكون حجه تطوعا عندنا ، وعند أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف : يكون عن حجة الإسلام إذا وقف الشافعي بعرفة ، وهو بالغ ، وهذا بناء على أن من عليه حجة الإسلام إذا نوى النفل يقع عن النفل عندنا ، وعنده يقع عن الفرض ، والمسألة تأتي في موضعها إن شاء الله تعالى ، ولو جدد الإحرام بأن لبى أو نوى حجة الإسلام ، ووقف بعرفة وطاف طواف الزيارة يكون عن حجة الإسلام بلا خلاف .
وكذا المجنون إذا أفاق ، والكافر إذا أسلم قبل الوقوف بعرفة فجدد الإحرام ، ولو لا يكون ذلك عن حجة الإسلام بخلاف الصبي ، والمجنون ، والكافر ، والفرق أن إحرام الكافر ، والمجنون لم ينعقد أصلا لعدم الأهلية ، وإحرام الصبي العاقل وقع صحيحا ، لكنه غير لازم لكونه غير مخاطب فكان محتملا للانتقاض فإذا جدد الإحرام بحجة الإسلام انتقض فأما إحرام العبد ، فإنه وقع لازما لكونه أهلا للخطاب فانعقد إحرامه تطوعا فلا يصح إحرامه الثاني إلا بفسخ الأول ، وإنه لا يحتمل الانفساخ . أحرم العبد ثم عتق فأحرم بحجة الإسلام بعد العتق