فصل
فأما من قال : التحريم كله لغو لا شيء فيه ، فاحتجوا بأن الله سبحانه لم يجعل للعبد تحريما ولا تحليلا ، وإنما جعل له تعاطي الأسباب التي تحل بها العين وتحرم ، كالطلاق ، والنكاح ، والبيع ، والعتق ، وأما مجرد قوله : حرمت كذا ، وهو علي حرام ، فليس إليه ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ) [ النحل : 116 ] وقال تعالى :
[ ص: 280 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) [ التحريم : 1 ] فإذا كان سبحانه لم يجعل لرسوله أن يحرم ما أحل الله له ، فكيف يجعل لغيره التحريم ؟
قالوا : وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003358كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ) وهذا التحريم كذلك ، فيكون ردا باطلا .
قالوا : ولأنه لا فرق بين
nindex.php?page=treesubj&link=26004تحريم الحلال وتحليل الحرام ، وكما أن هذا الثاني لغو لا أثر له ، فكذلك الأول .
قالوا : ولا فرق بين قوله لامرأته : أنت علي حرام ، وبين قوله لطعامه : هو علي حرام .
قالوا : وقوله : أنت علي حرام ، إما أن يريد به إنشاء تحريمها ، أو الإخبار عنها بأنها حرام وإنشاء تحريم محال ، فإنه ليس إليه ، إنما هو إلى من أحل الحلال ، وحرم الحرام ، وشرع الأحكام ، وإن أراد الإخبار ، فهو كذب ، فهو إما خبر كاذب ، أو إنشاء باطل ، وكلاهما لغو من القول .
قالوا : ونظرنا فيما سوى هذا القول ، فرأيناها أقوالا مضطربة متعارضة ، يرد بعضها بعضا ، فلم نحرم الزوجة بشيء منها بغير برهان من الله ورسوله ، فنكون قد ارتكبنا أمرين : تحريمها على الأول ، وإحلالها لغيره ، والأصل بقاء النكاح حتى تجمع الأمة أو يأتي برهان من الله ورسوله على زواله ، فيتعين القول به ، فهذا حجة هذا الفريق .
فَصْلٌ
فَأَمَّا مَنْ قَالَ : التَّحْرِيمُ كُلُّهُ لَغْوٌ لَا شَيْءَ فِيهِ ، فَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبْدِ تَحْرِيمًا وَلَا تَحْلِيلًا ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ تَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الْعَيْنُ وَتَحْرُمُ ، كَالطَّلَاقِ ، وَالنِّكَاحِ ، وَالْبَيْعِ ، وَالْعِتْقِ ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ قَوْلِهِ : حَرَّمْتُ كَذَا ، وَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ ، فَلَيْسَ إِلَيْهِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) [ النَّحْلِ : 116 ] وَقَالَ تَعَالَى :
[ ص: 280 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) [ التَّحْرِيمِ : 1 ] فَإِذَا كَانَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَجْعَلْ لِرَسُولِهِ أَنْ يُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ ، فَكَيْفَ يَجْعَلُ لِغَيْرِهِ التَّحْرِيمَ ؟
قَالُوا : وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003358كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) وَهَذَا التَّحْرِيمُ كَذَلِكَ ، فَيَكُونُ رَدًّا بَاطِلًا .
قَالُوا : وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=26004تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ ، وَكَمَا أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ لَغْوٌ لَا أَثَرَ لَهُ ، فَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ .
قَالُوا : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِطَعَامِهِ : هُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ .
قَالُوا : وَقَوْلُهُ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، إِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إِنْشَاءَ تَحْرِيمِهَا ، أَوِ الْإِخْبَارَ عَنْهَا بِأَنَّهَا حَرَامٌ وَإِنْشَاءُ تَحْرِيمٍ مُحَالٌ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهِ ، إِنَّمَا هُوَ إِلَى مَنْ أَحَلَّ الْحَلَالَ ، وَحَرَّمَ الْحَرَامَ ، وَشَرَعَ الْأَحْكَامَ ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ ، فَهُوَ كَذِبٌ ، فَهُوَ إِمَّا خَبَرٌ كَاذِبٌ ، أَوْ إِنْشَاءٌ بَاطِلٌ ، وَكِلَاهُمَا لَغْوٌ مِنَ الْقَوْلِ .
قَالُوا : وَنَظَرْنَا فِيمَا سِوَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَرَأَيْنَاهَا أَقْوَالًا مُضْطَرِبَةً مُتَعَارِضَةً ، يَرُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَلَمْ نُحَرِّمِ الزَّوْجَةَ بِشَيْءٍ مِنْهَا بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَنَكُونُ قَدِ ارْتَكَبْنَا أَمْرَيْنِ : تَحْرِيمَهَا عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِحْلَالَهَا لِغَيْرِهِ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ حَتَّى تُجْمِعَ الْأُمَّةُ أَوْ يَأْتِيَ بُرْهَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى زَوَالِهِ ، فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ ، فَهَذَا حُجَّةُ هَذَا الْفَرِيقِ .