يتحقق كمال الحيض وتمامه كما قال الله تعالى : ( ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) [ البقرة 222 ] والله سبحانه أمرها أن تتربص ثلاثة قروء ، فإذا مضت الثلاثة فقد بلغت أجلها ، وهو سبحانه لم يقل إنها عقيب القرأين تبين من الزوج ، خير الزوج عند بلوغ الأجل بين الإمساك والتسريح ، فظاهر القرآن كما فهمه الصحابة رضي الله عنهم أنه ، وعلى هذا فيكون بلوغ الأجل في القرآن واحدا لا يكون قسمين ، بل يكون باستيفاء المدة واستكمالها . عند انقضاء القروء الثلاثة يخير الزوج بين الإمساك بالمعروف ، أو التسريح بالإحسان
وهذا كقوله تعالى إخبارا ، عن أهل النار ( وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ) [ الأنعام 128 ] وقوله ( فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) [ البقرة 234 ] . وإنما حمل من قال إن بلوغ الأجل هو مقارنته أنها بعد أن تحل للخطاب لا يبقى الزوج أحق برجعتها وإنما يكون أحق بها ما لم تحل لغيره ، فإذا حل لغيره أن يتزوج بها صار هو خاطبا من الخطاب . ومنشأ هذا ظن أنها ببلوغ الأجل تحل لغيره ، والقرآن لم يدل على هذا ، بل القرآن جعل عليها أن تتربص ثلاثة قروء وذكر أنها إذا بلغت أجلها فإما أن تمسك بمعروف ، وإما أن تسرح بإحسان . وقد ذكر سبحانه هذا الإمساك ، أو التسريح عقيب الطلاق فقال ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) [ البقرة 229 ] ، ثم قال ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) [ البقرة 232 ] ، وهذا هو تزوجها بزوجها الأول المطلق الذي كان أحق بها ، فالنهي عن عضلهن مؤكد لحق الزوج وليس في القرآن أنها بعد بلوغ الأجل تحل للخطاب ، بل فيه أنه في هذه الحال إما أن يمسك بمعروف أو يسرح بإحسان ، فإن سرح بإحسان حلت حينئذ للخطاب ، وعلى هذا فدلالة القرآن بينة أنها إذا بلغت أجلها ، وهو انقضاء ثلاثة قروء بانقطاع الدم ، فإما أن يمسكها قبل أن تغتسل فتغتسل عنده ، وإما أن يسرحها فتغتسل وتنكح من شاءت ، وبهذا يعرف قدر فهم الصحابة رضي الله عنهم وأن من بعدهم إنما يكون [ ص: 594 ] غاية اجتهاده أن يفهم ما فهموه ويعرف ما قالوه .
فإن قيل : فإذا كان له أن يرتجعها في جميع هذه المدة ما لم تغتسل ، فلم قيد التخيير ببلوغ الأجل ؟ قيل : ليتبين أنها في مدة العدة كانت متربصة لأجل حق الزوج ، والتربص الانتظار ، وكانت منتظرة هل يمسكها ، أو يسرحها ؟ ، وهذا التخيير ثابت له من أول المدة إلى آخرها ، كما خير المؤلي بين الفيئة وعدم الطلاق ، وهنا لما خيره عند بلوغ الأجل كان تخييره قبله أولى وأحرى ، لكن التسريح بإحسان إنما يمكن إذا بلغت الأجل ، وقبل ذلك هي في العدة .