وفي هذه السنة - وهي سنة ست - كانت سرية زيد بن حارثة بالجموم ، فأصاب امرأة من مزينة يقال لها : حليمة ، فدلتهم على محلة من محال بني سليم ، فأصابوا نعما وشاء وأسرى ، وكان في الأسرى زوج حليمة ، فلما قفل بما أصاب ، وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها . زيد بن حارثة
وفيها - يعني : سنة ست - كانت إلى زيد بن حارثة الطرف في جمادى الأولى إلى سرية بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا ، فهربت الأعراب ، وخافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم ، فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا ، وغاب أربع ليال .
وفيها كانت إلى زيد بن حارثة العيص في جمادى الأولى ، وفيها : أخذت الأموال التي كانت مع سرية زوج زينب مرجعه من أبي العاص بن الربيع الشام ، وكانت أموال قريش ، قال : حدثني ابن إسحاق عبد الله بن محمد بن حزم قال : خرج تاجرا إلى أبو العاص بن الربيع الشام وكان رجلا مأمونا ، وكانت معه بضائع لقريش ، فأقبل قافلا ، فلقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستاقوا عيره وأفلت ، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أصابوا ، فقسمه بينهم ، وأتى أبو العاص المدينة ، فدخل على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستجار بها ، وسألها أن تطلب له من [ ص: 252 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ماله عليه ، وما كان معه من أموال الناس ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية ، فقال : ( ) ، فقالوا : بل نرده عليه يا رسول الله ، فردوا عليه ما أصابوا حتى إن الرجل ليأتي بالشن ، والرجل بالإداوة ، والرجل بالحبل ، فما تركوا قليلا أصابوه ولا كثيرا إلا ردوه عليه ، ثم خرج حتى قدم مكة ، فأدى إلى الناس بضائعهم حتى إذا فرغ قال : يا معشر إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم ، وقد أصبتم له مالا ولغيره ، وهو فيء الله الذي أفاء عليكم ، فإن رأيتم أن تردوا عليه فافعلوا ، وإن كرهتم فأنتم وحقكم قريش هل بقي لأحد منكم معي مال لم أرده عليه ؟ قالوا : لا ، فجزاك الله خيرا ، قد وجدناك وفيا كريما ، فقال : أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا تخوفا أن تظنوا أني إنما أسلمت لأذهب بأموالكم ، فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .
وهذا القول من الواقدي وابن إسحاق يدل على أن قصة أبي العاص كانت قبل الحديبية ، وإلا فبعد الهدنة لم تتعرض سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش . ولكن زعم أن قصة موسى بن عقبة أبي العاص كانت بعد الهدنة وأن الذي أخذ الأموال أبو بصير وأصحابه ، ولم يكن ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا منحازين بسيف البحر ، وكانت لا تمر بهم عير لقريش إلا أخذوها ، هذا قول . الزهري
قال عن موسى بن عقبة في قصة ابن شهاب أبي بصير : ولم يزل ، أبو جندل وأبو بصير ، وأصحابهما الذين اجتمعوا إليهما هنالك حتى مر بهم ، وكانت تحته أبو العاص بن الربيع زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش ، فأخذوهم ، وما معهم ، وأسروهم ، ولم يقتلوا منهم أحدا لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي العاص ، وأبو العاص يومئذ مشرك ، وهو ابن أخت لأبيها وأمها ، وخلوا سبيل أبي العاص ، فقدم خديجة بنت خويلد المدينة على امرأته زينب ، فكلمها أبو العاص في أصحابه الذين أسرهم أبو جندل وأبو بصير ، وما أخذوا لهم ، فكلمت زينب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ، فخطب الناس ، فقال [ ص: 253 ] ( إنا صاهرنا أناسا وصاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه ) وإنه أقبل من الشام في أصحاب له من قريش ، فأخذهم أبو جندل وأبو بصير ، وأخذوا ما كان معهم ، ولم يقتلوا منهم أحدا ، وإن زينب بنت رسول الله سألتني أن أجيرهم ، فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه ؟ " ، فقال الناس : نعم ، فلما بلغ أبا جندل وأصحابه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي العاص وأصحابه الذين كانوا عنده من الأسرى ، رد إليهم كل شيء أخذ منهم ، حتى العقال ، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير يأمرهم أن يقدموا عليه ، ويأمر من معهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم ، وألا يتعرضوا لأحد من قريش وعيرها ، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بصير وهو في الموت ، فمات وهو على صدره ، ودفنه مكانه ، وأقبل أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمنت عير أبو جندل قريش . وذكر باقي الحديث .
وقول أصوب ، موسى بن عقبة وأبو العاص إنما أسلم زمن الهدنة ، وقريش إنما انبسطت عيرها إلى الشام زمن الهدنة ، وسياق للقصة بين ظاهر أنها كانت في زمن الهدنة . الزهري
قال : وفيها أقبل الواقدي من عند قيصر ، وقد أجازه بمال وكسوة ، فلما كان بحسمى لقيه ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق ، فلم يتركوا معه شيئا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بيته فأخبره ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي إلى حسمى . قلت : وهذا بعد زيد بن حارثة الحديبية بلا شك .
قال : وخرج علي في مائة رجل إلى فدك إلى حي من الواقدي بني سعد بن بكر ، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر ، فسار إليهم ، يسير الليل ويكمن النهار ، فأصاب عينا لهم ، فأقر له أنهم بعثوه إلى خيبر ، فعرضوا عليهم نصرتهم على أن يجعلوا لهم ثمر خيبر .
[ ص: 254 ] قال : وفيها سرية إلى عبد الرحمن بن عوف دومة الجندل في شعبان ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم ) . فأسلم القوم ، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ ، وهي أم أبي سلمة ، وكان أبوها رأسهم وملكهم .
قال : وكانت كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل في شوال سنة ست ، وكانت السرية عشرين فارسا . سرية
قلت : وهذا يدل على أنها كانت قبل الحديبية ، كانت في ذي القعدة كما سيأتي ، وقصة العرنيين في " الصحيحين " من حديث أنس ( عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا رسول الله ، إنا أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، فاستوخمنا المدينة ، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود ، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستاقوا الذود وكفروا بعد إسلامهم . أن رهطا من
وفي لفظ لمسلم : ) سملوا عين الراعي ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم ، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وتركهم في ناحية الحرة حتى ماتوا
[ ص: 255 ] وفي حديث أبي الزبير عن جابر : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم عم عليهم الطريق ، واجعلها عليهم أضيق من مسك جمل ) . فعمى الله عليهم السبيل فأدركوا . وذكر القصة .
وفيها من الفقه جواز ، وطهارة شرب أبوال الإبل ، والجمع للمحارب إذا أخذ المال وقتل بين قطع يده ورجله وقتله ، وأنه يفعل بالجاني كما فعل ، فإنهم لما سملوا عين الراعي سمل أعينهم ، وقد ظهر بهذا أن القصة محكمة ، ليست منسوخة ، وإن كانت قبل أن تنزل الحدود ، والحدود نزلت بتقريرها لا بإبطالها . والله أعلم . بول مأكول اللحم