ومنها : أن من الحل أو الحرم ، وأنه لا يجب عليه أن يواعد من ينحره في الحرم إذا لم يصل إليه ، وأنه لا يتحلل حتى [ ص: 273 ] يصل إلى محله ، بدليل قوله تعالى : ( المحصر ينحر هديه حيث أحصر والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) [ الفتح : 25 ] .
ومنها : أن الموضع الذي نحر فيه الهدي كان من الحل ، لا من الحرم ؛ لأن الحرم كله محل الهدي .
ومنها : أن ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالحلق والنحر ، ولم يأمر أحدا منهم بالقضاء ، والعمرة من العام القابل لم تكن واجبة ، ولا قضاء عن عمرة الإحصار ، فإنهم كانوا في عمرة الإحصار ألفا وأربعمائة ، وكانوا في عمرة القضية دون ذلك ، وإنما سميت عمرة القضية والقضاء لأنها العمرة التي قاضاهم عليها ، فأضيفت العمرة إلى مصدر فعله . المحصر لا يجب عليه القضاء
ومنها : أن الأمر المطلق على الفور وإلا لم يغضب لتأخيرهم الامتثال عن وقت الأمر ، وقد اعتذر عن تأخيرهم الامتثال بأنهم كانوا يرجون النسخ ، فأخروا متأولين لذلك ، وهذا الاعتذار أولى أن يعتذر عنه ، وهو باطل ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لو فهم منهم ذلك لم يشتد غضبه لتأخير أمره ، ويقول : ( ) وإنما كان تأخيرهم من السعي المغفور لا المشكور ، وقد رضي الله عنهم وغفر لهم وأوجب لهم الجنة . ما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع
ومنها : أن الأصل مشاركة أمته له في الأحكام ، إلا ما خصه الدليل ، ولذلك قالت : ( أم سلمة ) ، وعلمت أن الناس سيتابعونه . اخرج ولا تكلم أحدا حتى تحلق رأسك وتنحر هديك
فإن قيل : فكيف فعلوا ذلك اقتداء بفعله ولم يمتثلوه حين أمرهم به ؟ قيل : هذا هو السبب الذي لأجله ظن من ظن أنهم أخروا الامتثال طمعا في النسخ ، فلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علموا حينئذ أنه حكم مستقر غير منسوخ ، وقد تقدم فساد هذا الظن ، ولكن لما تغيظ عليهم وخرج ولم يكلمهم وأراهم أنه بادر إلى امتثال ما أمر به ، وأنه لم يؤخر كتأخيرهم ، وأن اتباعهم له وطاعتهم توجب اقتداءهم به ، بادروا حينئذ إلى الاقتداء به وامتثال أمره .
[ ص: 274 ] ومنها : جواز صلح الكفار على رد من جاء منهم إلى المسلمين ، وألا يرد من ذهب من المسلمين إليهم ، هذا في غير النساء ، وأما النساء فلا يجوز اشتراط ردهن إلى الكفار ، وهذا موضع النسخ خاصة في هذا العقد بنص القرآن ، ولا سبيل إلى دعوى النسخ في غيره بغير موجب .
ومنها : أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم ، ولذلك أوجب الله سبحانه رد المهر على من هاجرت امرأته وحيل بينه وبينها ، وعلى من ارتدت امرأته من المسلمين إذا استحق الكفار عليهم رد مهور من هاجر إليهم من أزواجهم ، وأخبر أن ذلك حكمه الذي حكم به بينهم ثم لم ينسخه شيء ، وفي إيجابه رد ما أعطى الأزواج من ذلك دليل على تقومه بالمسمى ، لا بمهر المثل .
ومنها : أن رد من جاء من الكفار إلى الإمام لا يتناول من خرج منهم مسلما إلى غير بلد الإمام ، وأنه إذا جاء إلى بلد الإمام لا يجب عليه رده بدون الطلب ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أبا بصير حين جاءه ، ولا أكرهه على الرجوع ، ولكن لما جاءوا في طلبه مكنهم من أخذه ولم يكرهه على الرجوع .
ومنها أن المعاهدين إذا تسلموه وتمكنوا منه فقتل أحدا منهم لم يضمنه بدية ولا قود ، ولم يضمنه الإمام ، بل يكون حكمه في ذلك حكم قتله لهم في ديارهم ، حيث لا حكم للإمام عليهم ؛ فإن أبا بصير قتل أحد الرجلين المعاهدين بذي الحليفة ، وهي من حكم المدينة ، ولكن كان قد تسلموه وفصل عن يد الإمام وحكمه .
ومنها : أن أموالهم ، ولم يتحيزوا إلى الإمام ، لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم ، وسواء دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه أو لم يدخلوا ، والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهدا [ ص: 275 ] بين المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة ، فحاربتهم وغنمت أبي بصير وأصحابه وبينهم ، وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد ، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية وسبيهم ، مستدلا بقصة أبي بصير مع المشركين .