في غزوة مؤتة
وهي بأدنى البلقاء من أرض الشام ، وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان ، وكان سببها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث الحارث بن عمير الأزدي - أحد بني لهب - بكتابه إلى الشام ، إلى ملك الروم أو بصرى ، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني ، فأوثقه رباطا ، ثم قدمه فضرب عنقه ، ولم يقتل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسول غيره ، فاشتد ذلك عليه حين بلغه الخبر ، فبعث البعوث ، واستعمل عليهم ، وقال : " زيد بن حارثة على الناس ، فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب جعفر ، [ ص: 337 ] فعبد الله بن رواحة " . إن أصيب
فتجهز الناس وهم ثلاثة آلاف ، فلما حضر خروجهم ، ودع الناس أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلموا عليهم ، فبكى ، فقالوا : ما يبكيك ؟ فقال : أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار ( عبد الله بن رواحة وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) [ مريم : 71 ] ، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؟ فقال المسلمون : صحبكم الله بالسلامة ، ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين ، فقال : عبد الله بن رواحة
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي
يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء ، لقيتهم الجموع بقرية يقال لها : [ ص: 338 ] مشارف ، فدنا العدو ، وانحاز المسلمون إلى مؤتة ، فالتقى الناس عندها ، فتعبى المسلمون ، ثم اقتتلوا والراية في يد ، فلم يزل يقاتل بها حتى شاط في رماح القوم ، وخر صريعا ، وأخذها زيد بن حارثة جعفر ، فقاتل بها حتى إذا أرهقه القتال ، اقتحم عن فرسه فعقرها ، ثم قاتل حتى قتل ، فكان جعفر أول من عقر فرسه في الإسلام عند القتال ، فقطعت يمينه ، فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره ، فاحتضن الراية ، حتى قتل وله ثلاث وثلاثون سنة ، ثم أخذها وتقدم بها وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ، ثم نزل فأتاه ابن عم له بعرق من لحم ، فقال : شد بها صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذها من يده ، فانتهس منها نهسة ، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ، فقال : وأنت في الدنيا ، ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه ، وتقدم فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة ثابت بن أقرم أخو بني عجلان ، فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على ، فلما أخذ الراية دافع القوم وحاش بهم ، ثم انحاز بالمسلمين وانصرف بالناس . خالد بن الوليد
وقد ذكر ابن سعد أن الهزيمة كانت على المسلمين ، والذي في " صحيح " ، أن الهزيمة كانت على البخاري الروم .
والصحيح ما ذكره أن كل فئة انحازت عن الأخرى . ابن إسحاق
وأطلع الله سبحانه على ذلك رسوله من يومهم ذلك ، فأخبر به أصحابه وقال : " ازورارا عن سرير صاحبيه عبد الله بن رواحة " ، فقلت : " عم هذا ؟ " فقيل لي : مضيا ، وتردد لقد رفعوا إلي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في [ ص: 339 ] سرير عبد الله بعض التردد ثم مضى .
وذكر عبد الرزاق عن ، عن ابن عيينة ابن جدعان ، عن ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ابن المسيب جعفر ، وزيد ، ، في خيمة من در ، كل واحد منهم على سرير ، فرأيت وابن رواحة زيدا في أعناقهما صدود ، ورأيت وابن رواحة جعفرا مستقيما ، ليس فيه صدود ، قال : فسألت أو قيل لي : إنهما حين غشيهما الموت أعرضا ، أو كأنهما صدا بوجوههما ، وأما جعفر فإنه لم يفعل " . مثل لي
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جعفر : " " . إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء
قال أبو عمر : وروينا عن ، أنه قال : "وجدنا ما بين صدر ابن عمر جعفر ومنكبيه وما أقبل منه ، تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح " .