فصل
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة " إلا الإذخر " ، بعد قول العباس له : إلا الإذخر . يدل على مسألتين :
إحداهما : إباحة . قطع الإذخر
[ ص: 401 ] والثانية : أنه لا يشترط في الاستثناء أن ينويه من أول الكلام ، ولا قبل فراغه ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان ناويا لاستثناء الإذخر من أول كلامه ، أو قبل تمامه ، لم يتوقف استثناؤه له على سؤال العباس له ذلك ، وإعلامه أنهم لا بد لهم منه لقينهم وبيوتهم ، ونظير هذا استثناؤه - صلى الله عليه وسلم - من أسارى لسهيل بن بيضاء بدر ، بعد أن ذكره به ، فقال : ( ابن مسعود ) فقال لا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضربة عنق : إلا ابن مسعود ، فإني سمعته يذكر الإسلام فقال : " إلا سهيل بن بيضاء " ومن المعلوم أنه لم يكن قد نوى الاستثناء في الصورتين من أول كلامه . سهيل بن بيضاء
ونظيره أيضا قول الملك لسليمان لما قال : ( ) فأخبر أن هذا الاستثناء لو وقع منه في هذه الحالة لنفعه ، ومن يشترط النية يقول لا ينفعه . لأطوفن الليلة على مائة امرأة ، تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله ، فقال له الملك : قل إن شاء الله تعالى ، فلم يقل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لو قال إن شاء الله تعالى ، لقاتلوا في سبيل الله أجمعون ، وفي لفظ لكان دركا لحاجته
ونظير هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( قريشا ، والله لأغزون قريشا ، ثلاثا ، ثم سكت ، ثم قال : إن شاء الله ) فهذا استثناء بعد سكوت ، وهو يتضمن والله لأغزون ، وقد نص إنشاء الاستثناء بعد الفراغ من الكلام والسكوت عليه أحمد على جوازه ، وهو الصواب بلا ريب ، والمصير إلى موجب هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة أولى . وبالله التوفيق .