فصل في صداء في سنة ثمان قدوم وفد
وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد صداء وذلك أنه لما انصرف من الجعرانة بعث بعوثا وهيأ بعثا استعمل عليه ، وعقد له لواء أبيض ، ودفع إليه راية سوداء ، وعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين ، وأمره أن يطأ ناحية من قيس بن سعد بن عبادة اليمن كان فيها صداء ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل منهم ، وعلم بالجيش ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش وأنا لك بقومي ، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من صدر قناة ، وخرج الصدائي إلى قومه ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا منهم ، فقال قيس بن سعد : يا رسول الله دعهم ينزلوا علي ، فنزلوا عليه فحياهم وأكرمهم ، وكساهم ثم راح بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام ، فقالوا : نحن لك على من وراءنا من قومنا فرجعوا إلى قومهم ، ففشا فيهم الإسلام ، فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة الوداع ، ذكر هذا سعد بن عبادة عن بعض الواقدي بني المصطلق ، وذكر من حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه الذي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : صداء إنك لمطاع في قومك ؟ " قال : قلت : بل يا [ ص: 581 ] رسول الله من الله عز وجل ومن رسوله ) .
وكان زياد هذا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، قال : فاعتشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : سار ليلا ، واعتشينا معه ، وكنت رجلا قويا قال : فجعل أصحابه يتفرقون عنه ، ولزمت غرزه ، فلما كان في السحر قال : " أذن يا أخا صداء " فأذنت على راحلتي ، ثم سرنا حتى ذهبنا ، فنزل لحاجته ثم رجع ، فقال : يا أخا صداء ، هل معك ماء ؟ قلت : معي شيء في إداوتي ، فقال " هاته " فجئت به ، فقال " صب " فصببت ما في الإداوة في القعب ، فجعل أصحابه يتلاحقون ، ثم وضع كفه على الإناء ، فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور ، ثم قال : " يا أخا صداء لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا " ثم توضأ وقال : " أذن في أصحابي من كانت له حاجة بالوضوء فليرد " ، قال : فوردوا من آخرهم ثم جاء بلال يقيم ، فقال ( إن أخا صداء أذن ، ومن أذن فهو يقيم ) فأقمت ، ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا ، وكنت سألته قبل أن يؤمرني على قومي ، ويكتب لي بذلك كتابا ، ففعل . فلما فرغ من صلاته ، قام رجل يتشكى من عامله ، فقال : يا رسول الله : إنه أخذنا بذحول كانت بيننا وبينه في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا خير في الإمارة لرجل مسلم ) ثم قام آخر فقال : يا رسول الله أعطني من الصدقة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لم يكل قسمتها إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ، حتى جزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت جزءا منها أعطيتك ، وإن كنت غنيا عنها ، فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن " فقلت في نفسي : هاتان خصلتان حين سألت الإمارة وأنا رجل مسلم ، وسألته من الصدقة وأنا غني عنها ، فقلت : يا رسول الله ، هذان كتاباك فاقبلهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولم ؟ " فقلت : إني سمعتك تقول : ( لا خير في الإمارة لرجل مسلم ) وأنا مسلم ، وسمعتك تقول : ( من سأل من الصدقة وهو غني عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن ) وأنا غني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إن الذي قلت كما قلت " فقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لي : " دلني على رجل من قومك أستعمله " فدللته على [ ص: 582 ] رجل منهم فاستعمله ، قلت : يا رسول الله ، إن لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها ، وإذا كان الصيف قل علينا ، فتفرقنا على المياه ، والإسلام اليوم فينا قليل ، ونحن نخاف فادع الله عز وجل لنا في بئرنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناولني سبع حصيات " ، فناولته فعركهن بيده ، ثم دفعهن إلي وقال : " إذا انتهيت ، إليها فألق فيها حصاة حصاة ، وسم الله " قال : ففعلت فما أدركنا لها قعرا حتى الساعة . اردد الجيش وأنا لك بقومي فردهم . قال : وقدم وفد قومي عليه فقال لي : ( يا أخا