[ ص: 384 ] سورة المدثر 
مسألة : في قوله سبحانه وتعالى : ( والصبح إذا أسفر    )  هل له تعلق بضوء الشمس أم لا ؟ وهل للنهار ضوء غير ضوء الشمس مختص به أم لا نور له ولا ضوء أصلا ؟ وما معنى قوله تعالى : ( حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر    )  ؟ وهل الوارد في الحديث : أن الله تعالى خلق نور محمد  صلى الله عليه وسلم فجزأه أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول العرش ، وخلق من الجزء الثاني القلم ، وخلق من الثالث اللوح ، ثم قسم الجزء الرابع وجزأه أربعة أجزاء ، وخلق من الجزء الأول العقل ، وخلق من الجزء الثاني المعرفة ، وخلق من الجزء الثالث نور الشمس والقمر ونور الأبصار ونور النهار ، وجعل الجزء الرابع تحت ساق العرش مدخورا يقتضي أن نور الشمس غير نور النهار أم لا ؟ وهل قال قائل : إن المراد بقوله تعالى : ( والشمس وضحاها    ) أن الضحى هنا هو النهار في قوله تعالى : ( والنهار إذا جلاها    ) ؟ وهل هما غيران أم لا ؟ أفتونا مأجورين وابسطوا الجواب أثابكم الله الجنة . 
الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، الصبح في اللغة : هو الفجر كذا في الصحاح ، وأسفر معناه : أضاء ، كذا أخرجه  ابن المنذر  في تفسيره عن  قتادة  ، وإذا تعلق بهذين الأمرين لم يكن للآية تعلق بضوء الشمس ، ومقتضى الأدلة من الأحاديث والآثار ، وكلام الأئمة في تفسير الآيات ، وكلام أهل اللغة مختلف ، منه ما يشهد ؛ لأن النهار نوره غير نور الشمس ، ومنه ما يشهد لأن نوره نورها ، فمن الأول ما أخرجه  ابن جرير  في تفسيره عن  السدي  في قوله تعالى : ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور    ) قال : الظلمات : ظلمة الليل ، والنور : نور النهار ، فهذا تصريح بأن النهار له نور حيث أضافه إليه وقابله بظلمة الليل ، وليس سببه الشمس كما أن ظلمة الليل ليس لها سبب نشأت عنه ، وأخرج  ابن جرير  عن  قتادة  في الآية قال : خلق الله السماوات قبل الأرض ، وخلق الظلمة قبل النور وخلق الجنة قبل النار ، وأخرج  ابن المنذر  عن  أبي عبيد  في الآية قال : النور الضوء ، فهذان صريحان في أن المراد بالنور ضوء خلقه الله على حياله لا تعلق له بالشمس ولا بغيرها ، وأخرج  ابن أبي حاتم  في تفسيره عن  عكرمة  قال : سئل   [ ص: 385 ]  ابن عباس     : الليل كان قبل النهار ؟ فقرأ  ابن عباس     : ( أن السماوات والأرض كانتا رتقا    ) قال : فالرتق : الظلمة ، الليل كان قبل النهار   . ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة    ) ، فكما أن الليل كان يسمى ليلا قبل خلق القمر فيه ، كذلك كان يسمى النهار نهارا قبل خلق الشمس ، واستمرت التسمية في الليل والنهار بعد خلق القمر والشمس ، فالنهار على هذا غير الشمس ، وضوؤها غير نورها ، وقال  الكرماني  القديم في تفسيره في سورة الأنعام في قوله : ( وجعل الظلمات والنور    ) جمع الظلمات لأنها تحدث عن أشياء كظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة البحر ، ووحد النور لأنه متحد الوصف ، وهو ما يرى ويرى به ، وأعظم دليل على أن النهار له نور يخصه لا تعلق له بالشمس أن الجنة فيها نهار بلا شمس ، أخرج  البيهقي  في شعب الإيمان عن  شعيب بن الحجام  قال : خرجت أنا  وأبو الغالب الرياحي  قبل طلوع الشمس ، فقال : نبئت أن الجنة هكذا . وقد وردت آثار بأن الأيام على عدتها أجسام مخلوقة تتكلم وتحشر ، كأثر : ما من يوم ينقضي من الدنيا إلا قال ذلك اليوم : الحمد لله الذي أخرجني من الدنيا وأهلها ، ثم يطوى عليه فيختم إلى يوم القيامة حتى يكون الله هو الذي يفض خاتمه . أخرجه  أبو نعيم  في الحلية عن  مجاهد  ، وروى  ابن خزيمة  والحاكم  في المستدرك حديث : تحشر الأيام على هيئتها ، وتحشر الجمعة زهراء منيرة ، أهلها يحفون بها كالعروس ، تضيء لهم ، يمشون في ضوئها   . فهذه كلها تدل على أن النهار له ضوء يخصه ، لا تعلق له بالشمس ، لكن عارض هذا أن  ابن جرير  قال في تفسيره : اختلف أهل التأويل في قوله تعالى : ( والشمس وضحاها    ) فقال  قتادة     : معنى ذلك : والشمس والنهار ، وكان يقول : الضحى هو النهار كله ، وقال  مجاهد     : وضحاها : وضوئها   . قال  ابن جرير     : والصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالشمس ونهارها لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار . هذه عبارة  ابن جرير  ، وهي صريحة في أن النهار هو ضوء الشمس ، وقال  الكرماني  القديم في تفسيره ما نصه : والشمس سراج النهار بالإجماع ، وضحاها : ارتفاعها وضوؤها وحرها ، وقيل : هو النهار كله ، ثم قال : ( والنهار إذا جلاها    ) أي : جلى الظلمة ، وقيل : جلا الشمس ؛ لأنها تظهر بالنهار ، وإن كان النهار من ضوئها . هذه عبارته ، وهي أيضا   [ ص: 386 ] صريحة في أن النهار من ضوء الشمس . 
وقال  الراغب     : الصبح والصباح أول النهار ، وهو وقت ما احمر الأفق بحاجب الشمس . فأسند نور الصباح والنهار إلى الشمس . وقد وردت آثار كثيرة استوفيتها في التفسير المأثور شاهدة للقولين معا ، ولا حاجة إلى الإطالة بذكرها ، وفيها ما يدل على أن الفجر أيضا من نور الشمس ، وفيها ما يدل على خلافه . 
والحديث المذكور في السؤال ليس له إسناد يعتمد عليه ، وقول السائل : وهل قال قائل . . . إلى آخره ؟ قد حكيناه فيما تقدم عن  قتادة  ، والله أعلم . 
				
						
						
