[ ص: 49 ] باب أقسام العلم الشرعي هي ثلاثة : الأول : ، وهو تعلم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به ، ككيفية الوضوء ، والصلاة ، ونحوهما ، وعليه حمل جماعات الحديث المروي في مسند فرض العين أبي يعلى الموصلي عن عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أنس } ، وهذا الحديث ، وإن لم يكن ثابتا فمعناه صحيح . وحمله آخرون على فرض الكفاية ، وأما أصل واجب الإسلام ، وما يتعلق بالعقائد فيكفي فيه التصديق بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتقاده اعتقادا جازما سليما من كل شك ، ولا يتعين على من حصل له هذا تعلم أدلة المتكلمين . هذا هو الصحيح الذي أطبق عليه السلف ، والفقهاء ، والمحققون من المتكلمين من أصحابنا ، وغيرهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطالب أحدا بشيء سوى ما ذكرناه ، وكذلك الخلفاء الراشدون ، ومن سواهم من الصحابة ، فمن بعدهم من الصدر الأول ، بل الصواب للعوام ، وجماهير المتفقهين ، والفقهاء الكف عن الخوض في دقائق الكلام ، مخافة من اختلال يتطرق إلى عقائدهم يصعب عليهم إخراجه ، بل الصواب لهم الاقتصار على ما ذكرناه من الاكتفاء بالتصديق الجازم ، وقد نص على هذه الجملة جماعات من حذاق أصحابنا وغيرهم . وقد بالغ إمامنا طلب العلم فريضة على كل مسلم رحمه الله تعالى في تحريم الاشتغال بعلم الكلام أشد مبالغة ، وأطنب في تحريمه ، وتغليظ العقوبة لمتعاطيه ، وتقبيح فعله ، وتعظيم الإثم فيه فقال : " لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الكلام " ، وألفاظه بهذا المعنى كثيرة مشهورة ، وقد صنف الشافعي الغزالي رحمه الله في آخر أمره كتابه المشهور الذي سماه ( إلجام العوام عن علم الكلام ) ، وذكر أن الناس كلهم عوام في هذا الفن من الفقهاء ، وغيرهم إلا الشاذ النادر الذي لا تكاد الأعصار تسمح بواحد منهم ، والله أعلم .