الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 203 ] مسألة : قال : ( ويستمتع من الحائض بما دون الفرج ) وجملته أن الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والإجماع ، والوطء في الفرج محرم بهما . واختلف في الاستمتاع بما بينهما ; فذهب أحمد ، رحمه الله إلى إباحته . وروي ذلك عن عكرمة ، وعطاء ، والشعبي ، والثوري ، وإسحاق ، ونحوه قال الحكم ، فإنه قال : لا بأس أن تضع على فرجها ثوبا ما لم يدخله . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : لا يباح ; لما روي عن عائشة ، قالت { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر ، فيباشرني وأنا حائض } . رواه البخاري . وعن عمر قال : { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال : فوق الإزار }

                                                                                                                                            ولنا قول الله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } ، والمحيض : اسم لمكان الحيض ، كالمقيل والمبيت ، فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه . فإن قيل : بل المحيض الحيض ، مصدر حاضت المرأة حيضا ومحيضا ، بدليل قوله تعالى في أول الآية : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } . والأذى : هو الحيض المسئول عنه ، وقال تعالى : { واللائي يئسن من المحيض } . قلنا : اللفظ يحتمل المعنيين ، وإرادة مكان الدم أرجح ، بدليل أمرين : أحدهما أنه لو أراد الحيض لكان أمرا باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية ، والإجماع بخلافه .

                                                                                                                                            والثاني ، أن سبب نزول الآية ، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها ، فلم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيت ، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم { اصنعوا كل شيء غير النكاح . } رواه مسلم في " صحيحه " وهذا تفسير لمراد الله تعالى ، ولا تتحقق مخالفة اليهود بحملها على إرادة الحيض ; لأنه يكون موافقا لهم ، ومن السنة قوله عليه السلام { : اصنعوا كل شيء غير النكاح } ، وروي عنه عليه السلام أنه قال : { اجتنب منها شعار الدم } .

                                                                                                                                            ولأنه منع الوطء لأجل الأذى ، فاختص مكانه كالدبر ، وما رووه عن عائشة دليل على حل ما فوق الإزار ، لا على تحريم غيره ، وقد يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض المباح تقذرا ، كتركه أكل الضب والأرنب ، وقد روى عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ثم ما ذكرناه منطوق وهو أولى من المفهوم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية