الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 224 ] أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة ، وقد ورد في ذلك أحاديث صحاح جياد نذكر أكثرها في مواضعها ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            ( 514 ) مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : ( وإذا زالت الشمس وجبت صلاة الظهر ) بدأ الخرقي بذكر صلاة الظهر ; لأن جبريل بدأ بها حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس ، وجابر وبدأ بها صلى الله عليه وسلم حين علم الصحابة مواقيت الصلاة ، في حديث بريدة وغيره ، وبدأ بها الصحابة حين سئلوا عن الأوقات في حديث أبي برزة وجابر وغيرهما تسمى الأولى والهجير والظهر . وقال أبو برزة : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجيرة التي يدعونها الأولى حين تدحض الشمس . } متفق عليه ، يعني حين تزول الشمس . وأجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر : إذا زالت الشمس .

                                                                                                                                            قاله ابن المنذر ، وابن عبد البر وقد تظاهرت الأخبار بذلك ، فمنها ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أمني جبريل عند البيت مرتين ، فصلى بي الظهر في الأولى منهما ، حين كان الفيء مثل الشراك ، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله ، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس ، وأفطر الصائم ، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم ، وصلى في المرة الثانية الظهر حين صار ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس ، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ، ثم صلى المغرب لوقت الأولى ، ثم صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل ، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض ، ثم التفت إلي جبريل وقال : يا محمد ، هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت فيما بين هذين } رواه أبو داود ، وابن ماجه والترمذي ، وقال : هذا حديث حسن . وروى جابر نحوه ، ولم يذكر فيه { لوقت العصر بالأمس } ، وقال البخاري : أصح حديث في المواقيت حديث جابر .

                                                                                                                                            وروى بريدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن رجلا سأله عن وقت الصلاة ، فقال : صل معنا هذين اليومين فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ، ثم أمره فأقام الظهر ، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية لم يخالطها صفرة ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر ، فلما كان اليوم الثاني أمره فأبرد في الظهر ، فأنعم أن يبرد بها ، وصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة ، آخرها فوق الذي كان ، وصلى المغرب حين غاب الشفق ، وصلى العشاء حين غاب ثلث الليل ، وصلى الفجر فأسفر بها ، ثم قال : أين السائل عن وقت الصلاة ؟ فقال الرجل : أنا يا رسول الله . فقال : وقت صلاتكم بين ما رأيتم } رواه مسلم [ ص: 225 ] وغيره . وروى أبو داود ، عن أبي موسى نحوه ، إلا أنه قال : { بدأ فأقام الفجر حين انشق الفجر ، فصلى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه ، أو أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه ، فلما كان الغد صلى الفجر وانصرف ، فقلنا : طلعت الشمس . }

                                                                                                                                            وفي الباب أحاديث كثيرة .

                                                                                                                                            ( 515 ) فصل : ومعنى زوال الشمس ميلها عن كبد السماء ، ويعرف ذلك بطول ظل الشخص بعد تناهي قصره ، فمن أراد معرفة ذلك فليقدر ظل الشمس ، ثم يصبر قليلا ، ثم يقدره ثانيا ، فإن كان دون الأول فلم تزل ، وإن زاد ولم ينقص فقد زالت ، وأما معرفة ذلك بالأقدام ، فتختلف باختلاف الشهور والبلدان ، فكلما طال النهار قصر الظل ، وإذا قصر طال الظل ، فكل يوم يزيد أو ينقص ، فنذكر ذلك في وسط كل شهر ، على ما حكى أبو العباس السنجي ، رحمه الله ، تقريبا ، قال : إن الشمس تزول في نصف حزيران على قدم وثلث ، وهو أقل ما تزول عليه الشمس ، وفي نصف تموز ونصف أيار على قدم ونصف وثلث ، وفي نصف آب ونيسان على ثلاثة أقدام ، وفي نصف آذار وأيلول على أربعة أقدام ونصف .

                                                                                                                                            وهو وقت استواء الليل والنهار ، وفي نصف تشرين الأول وشباط على ستة أقدام ونصف ، وفي نصف تشرين الثاني وكانون الثاني على تسعة أقدام ، وفي نصف كانون الأول على عشرة أقدام وسدس ، وهذا أنهى ما تزول عليه الشمس فهذا ما تزول عليه الشمس في أقاليم العراق والشام وما سامتهما من البلدان ، فإذا أردت معرفة ذلك فقف على مستو من الأرض ، وعلم الموضع الذي انتهى إليه ظلك ، ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى ، وألصق عقبك بإبهامك ، فما بلغت مساحة هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو الوقت الذي زالت عليه الشمس ، ووجبت به صلاة الظهر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية