[ ص: 176 ] كتاب الأشربة وما يحل منها وما يحرم 1099 - 
مسألة : كل شيء أسكر كثيره أحدا من الناس فالنقطة منه فما فوقها إلى أكثر المقادير : خمر حرام - : ملكه ، وبيعه ، وشربه ، واستعماله على أحد - وعصير العنب ، ونبيذ التين ، وشراب القمح ، والسيكران ، وعصير كل ما سواها ونقيعه ، وشرابه - طبخ كل ذلك أو لم يطبخ - ذهب أكثره أو أقله سواء في كل ما ذكرنا ولا فرق . وهو قول  مالك  ،  والشافعي  ،  وأحمد  ،  وأبي سليمان  وغيرهم - وفي هذا اختلاف قديم وحديث بعد صحة الإجماع على تحريم الخمر  قليلها وكثيرها - : فروينا عن طائفة أنها قالت : شراب البسر وحده خمر محرمة . وقالت طائفة : الرطب ، والبسر إذا خلطا ، فشرابهما خمر محرمة ، وكذلك التمر والبسر إذا خلطا . وقالت طائفة : عصير العنب إذا أسكر ، ونقيع الزبيب إذا أسكر ، ولم يطبخا : هي الخمر المحرمة قليلها وكثيرها ، [ وكل ] ما عدا ذلك حلال ما لم يسكر منه . وقالت طائفة : لا خمر إلا عصير العنب إذا أسكر ما لم يطبخ حتى يذهب ثلثاه فهو حرام قليله وكثيره ، فإذا طبخ كذلك فليس خمرا بل هو حلال أسكر أو لم يسكر . وأما كل شراب ما عدا عصير العنب المذكور فهو حلال أسكر أو لم يسكر كنقيع الزبيب وغيره طبخ كل ذلك أو لم يطبخ إلا أن السكر منه حرام . وقالت طائفة : كل ما عصر من العنب ، ونبيذ الزبيب ، ونبيذ التمر ، والرطب ، والبسر ، والزهو ، فلم يطبخ ، فكل خمر محرمة قليلها وكثيرها ، فإن طبخ عصير العنب  [ ص: 177 ] حتى ذهب ثلثاه وطبخ سائر ما ذكرنا فهو حلال أسكر أو لم يسكر ، إلا أن السكر منه حرام . وكل نبيذ وعصير ما سوى ما ذكرنا فحلال أسكر أو لم يسكر طبخ أو لم يطبخ والسكر أيضا منه ليس حراما . فأما من رأى شراب البسر وحده خمرا - : فروينا من طريق أحمد بن شعيب   أنا أحمد بن سليمان   نا يزيد    [ قال ] أنا حميد  عن عكرمة  عن  ابن عباس  قال : البسر وحده حرام قال أحمد بن شعيب     : وأنا أبو بكر بن علي المقدمي  نا القواريري هو عبيد الله بن عمر    - نا  حماد هو ابن زيد    - نا  أيوب هو السختياني    - عن  سعيد بن جبير  عن  ابن عباس  قال : نبيذ البسر  بحتا لا يحل - وروي هذا القول أيضا عن  عبد الرحمن بن أبي ليلى  ،  وجابر بن زيد    . وروي عن  ابن عباس  أنه كان يجلد فيه كما يجلد في الخمر - وما نعلم لهذا القول حجة أصلا ، بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم إبطاله - : كما روينا من طريق  عبد الله بن المبارك  عن إسماعيل بن مسلم العبدي  نا أبو المتوكل  عن  أبي سعيد الخدري  عن النبي صلى الله عليه وسلم { من شربه منكم فليشرب كل واحد منه فردا ، تمرا فردا ، أو بسرا فردا ، أو زبيبا فردا   } . والقول الثاني - رويناه من طريق  عبد الرزاق  عن  سفيان الثوري  عن  محارب بن دثار  قال : سمعت  جابر بن عبد الله  يقول : البسر ، والرطب : خمر - يعني إذا جمعا . ومن طريق أحمد بن شعيب   أنا  سويد بن نصر  أنا  عبد الله بن المبارك  عن  سفيان الثوري  ،  وشعبة  ، كليهما عن  محارب بن دثار  عن  جابر بن عبد الله  قال : البسر ، والتمر : خمر وحجة هذا القول هو صحة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن خلط البسر مع التمر ، أو مع الرطب . قال  أبو محمد    : ولا حجة لهم في هذا الخبر ، لوجهين - : أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الجمع بين غير هذه الأنواع ، فلا معنى لتخصيص هذه خاصة بالتحريم دون سائر ما نهى عليه السلام عنه . روينا من طريق  يحيى بن سعيد القطان  عن  ابن جريج  أخبرني  عطاء  عن  جابر  قال { إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط التمر ، والزبيب ، والبسر ، والرطب   } .  [ ص: 178 ] ومن طريق  الليث بن سعد  عن  عطاء  عن  جابر  قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبذ الزبيب والتمر جميعا ، وأن ينبذ البسر والتمر جميعا   } . ونهى أيضا عليه السلام عن أن يجمع غير هذه كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . ووجه آخر - : وهو أنه ليس كل محرم خمرا ، الدم حرام ، وليس خمرا ، ولبن الخنزير حرام وليس خمرا ، والبول حرام وليس خمرا ، فهذان اللذان نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن جمعهما حرام وليست خمرا إلا أن تسكر ، ولا معنى لتسميتهما إذا جمعا خمرا . فإن قيل : فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم { الزبيب والتمر هو الخمر   } فما قولكم فيه ؟ قلنا : قد صح بالنص والإجماع المتيقن إباحة التمر وإباحة الزبيب ، وإباحة نبيذهما غير مخلوطين ، كما ذكرنا آنفا وأن ذلك لم ينسخ قط . فصح أن هذا الخبر ليس على ظاهره ، فإذ لا شك في هذا فإنما يكون خمرا إذا جاء نص مبين لهذه الجملة ، وليس ذلك إلا إذا أسكر نبيذهما كما بين عليه السلام في خبر نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى { إن كل مسكر خمر   } فسقط هذا القول أيضا . والقول الثالث : من تخصيص عصير العنب ونبيذ الزبيب بالتحريم ما لم يطبخا دون سائر الأنبذة والعصير فقول صح عن  أبي حنيفة    - وهو الأشهر عنه - إلا أنه لا يعتمد مقلدوه عليه ، ولا يشتغلون بنصره ، ولا نعلم له أيضا حجة أصلا ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا رواية ضعيفة ، ولا دليل إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا رأي ، ولا قياس - فسقط - ولله الحمد . والقول الرابع : من تخصيص عصير العنب بالتحريم ما لم يطبخ ، فهو قول اختاره  أبو جعفر الطحاوي    . واحتج من ذهب إليه بأخبار أضيفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبار عن الصحابة ، ودعوى إجماع - فأما الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم فكلها لا خير فيها - على ما نبين إن شاء الله تعالى .  [ ص: 179 ] ثم لو صحت لما كان شيء منها موافقا لهذا القول ; فلاح أن إيرادهم لها تمويه محض - وكذلك الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم ، إلا أن منها ما لا يصح ولا يوافق ما ذهبوا إليه فإيرادهم لها تمويه . 
				
						
						
