وأما عروض التجارة : فقال ، أبو حنيفة ، ومالك في أحد قوليه بإيجاب والشافعي . واحتجوا في ذلك بخبر رويناه من طريق الزكاة في العروض المتخذة للتجارة عن سليمان بن موسى جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب عن خبيب بن سليمان بن جندب عن أبيه عن جده سمرة { } . [ ص: 40 ] أما بعد ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع
وبخبر صحيح عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : كنت على بيت المال زمان ، فكان إذا خرج العطاء جمع أموال التجار ثم حسبها ، غائبها وشاهدها ، ثم أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد . عمر بن الخطاب
وبخبر رويناه من طريق : إن عمال أبي قلابة قالوا : يا أمير المؤمنين ، إن التجار شكوا شدة التقويم ، فقال عمر : هاه هاه خففوا . عمر
وبخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال : مر بي فقال : يا عمر بن الخطاب حماس ، أد زكاة مالك . فقلت : ما لي مال إلا جعاب وأدم . فقال : قومها قيمة ثم أد زكاتها .
وبخبر صحيح رويناه عن أنه كان يقول : لا بأس بالتربص حتى يبيع ، والزكاة واجبة فيه . ابن عباس
وبخبر صحيح عن : ليس في العروض زكاة إلا أن تكون لتجارة . وقال بعضهم : الزكاة موضوع فيما ينمي من الأموال . ما نعلم لهم متعلقا غير هذا ، وكل هذا لا حجة لهم فيه . ابن عمر
أما حديث سمرة فساقط ; لأن جميع رواته ما بين ، سليمان بن موسى وسمرة رضي الله عنه - مجهولون لا يعرف من هم ، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة ، لأنه ليس فيه : أن تلك الصدقة هي الزكاة المفروضة ; بل لو أراد عليه السلام بها الزكاة المفروضة لبين وقتها ومقدارها وكيف تخرج ، أمن أعيانها ، أم بتقويم ، وبماذا تقوم ؟ ومن المحال أن يكون عليه السلام يوجب علينا زكاة لا يبين كم هي . ولا كيف تؤخذ . وهذه الصدقة لو صحت لكانت موكولة إلى أصحاب تلك السلع .
كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا عن معاوية عن الأعمش أبي وائل عن { قيس بن أبي غرزة قال : مر بنا [ ص: 41 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا معشر التجار ، إن البيع يحضره اللغو والحلف ، فشوبوه بالصدقة } .
فهذه صدقة مفروضة غير محدودة ، لكن ما طابت به أنفسهم ، وتكون كفارة لما يشوب البيع مما لا يصح من لغو وحلف .
وأما حديث ; فلا يصح ، لأنه عن عمر أبي عمرو بن حماس عن أبيه ، وهما مجهولان .
روينا من طريق قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت عارم بن الفضل أبا الأسود هو حميد بن الأسود - يقول : ذكرت حديث لمالك بن أنس ابن حماس في المتاع يزكى ، عن يحيى بن سعيد . فقال : يحيى قماش . قال مالك : معناه أنه يجمع القماش ، وهو الكناسة : أي يروي عمن لا قدر له ولا يستحق . أبو محمد
وأما حديث فمرسل ; لأنه لم يدرك أبي قلابة بعقله ولا بسنه . عمر
وأما حديث عبد الرحمن بن عبد القاري فلا حجة لهم فيه ; لأنه ليس فيه : أن تلك الأموال كانت عروضا للتجارة وقد كانت للتجار أموال تجب فيها الزكاة ، من فضة وذهب وغير ذلك ، ولا يحل أن يزاد في الخبر ما ليس فيه ، فيحصل من فعل ذلك على الكذب .
وأما حديث فكذلك أيضا ، ولا دليل فيه على إيجاب الزكاة في عروض التجارة ، وهو خارج على مذهب ابن عباس المشهور عنه في أنه كان يرى الزكاة واجبة في فائدة الذهب ، والفضة ، والماشية حين تستفاد ، فرأى الزكاة في الثمن إذا باعوه . [ ص: 42 ] حدثنا ابن عباس يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا ثنا أبي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عبد الصمد التنوري ثنا حماد ثنا عن قتادة جابر بن زيد عن أبي الشعثاء : أنه قال في المال المستفاد : يزكيه حين يستفيده ، وقال ابن عباس : حتى يحول عليه الحول . ابن عمر
وقد بين هذا : وهو أكبر أصحابه ، على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . وأما خبر عطاء : فصحيح ; إلا أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم قضية خالفوا فيها ابن عمر ، وابنه . منها للمالكيين الرواية في زكاة العسل ; وللحنفيين حكمه في زكاة الرقيق ; وغير ذلك كثير جدا - ومن المحال أن يكون عمر وابنه حجة في موضع دون آخر . عمر
وأيضا : فإن الحنفيين والمالكيين ، والشافعيين : خالفوا ما روي عن ، عمر في هذه المسألة نفسها ; وابن عمر فرق بين المدير وغير المدير ، وأسقط فمالك ، ما لم ينض له درهم ، وليس هذا فيما روي عن الزكاة عمن باع عرضا بعرض ، وابنه . عمر
: يرى أن والشافعي ، وليس هذا عن لا يزكي الربح مع رأس المال إلا الصيارفة خاصة ، ولا عن عمر . وكلهم يرى ابن عمر : أنها لا زكاة فيها ، ولو بقيت عنده سنين ; ولا في ثمنها إذا باعها ; لكن يستأنف حولا ; وهذا خلاف فيمن ورث عروضا أو ابتاعها للقنية ثم نوى بها التجارة ، عمر ; فبطل احتجاجهم بهما رضي الله عنهما . وقد جاء خلاف ما روي عن وابن عمر ، عمر عن غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم حدثنا وابن عمر حمام ثنا ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي الدبري عن عن عبد الرزاق أخبرني ابن جريج نافع الخوزي قال : كنت جالسا عند عبد الرحمن بن نافع إذ جاءه زياد البواب فقال له : إن أمير المؤمنين - يعني - يقول : أرسل زكاة مالك . فقام فأخرج مائة درهم ، وقال له : اقرأ عليه السلام ، وقل له : إنما الزكاة في الناض . قال ابن الزبير : فلقيت نافع زيادا فقلت له : أبلغته . قال : نعم ، قلت : فماذا قال . فقال : قال : صدق . ابن الزبير
[ ص: 43 ] قال : وقال لي ابن جريج عمرو بن دينار : ما أرى الزكاة إلا في العين .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا ثنا علي بن عبد العزيز أبو عبيد ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن قطن قال : مررت بواسط زمن ، فقالوا : قرئ علينا كتاب أمير المؤمنين : أن لا تأخذوا من أرباح التجار شيئا حتى يحول عليها الحول . عمر بن عبد العزيز
قال أبو عبيد : ثنا عن معاذ قال : أتيت المسجد وقد قرئ الكتاب ، فقال صاحب لي : لو شهدت كتاب عبد الله بن عون في أرباح التجار أن لا يعرض لها حتى يحول عليها الحول . فهذا عمر بن عبد العزيز ، ابن الزبير وعبد الرحمن بن نافع وعمرو بن دينار ، ، وقد روي أيضا عن وعمر بن عبد العزيز عائشة .
وذكره عن الشافعي ، وهو أحد قولي ابن عباس . قال الشافعي : وحتى لو لم يأت خلاف في ذلك لما وجبت شريعة بغير نص قرآن أو سنة ثابتة أو إجماع متيقن لا يشك في أنه قال به جميع الصحابة رضي الله عنهم . وقد أسقط الحنفيون الزكاة عن الإبل المعلوفة والبقر المعلوفة ، وأموال الصغار كلها إلا ما أخرجت أرضهم . وأسقط المالكيون الزكاة عن أموال العبيد ، والحلي . وأسقطها الشافعيون عن الحلي ، وعن المواشي المستعملة . وكل هذا خلاف للسنن الثابتة بلا برهان . أبو محمد
وذكروا الخبر الذي من طريق : { أبي هريرة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا فقال : منع عمر ، العباس ، وخالد بن الوليد وابن جميل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تظلمون ، إن خالدا قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله خالدا } . [ ص: 44 ] أن
قالوا : فدل هذا على أن الزكاة طلبت منه في دروعه ، وأعبده ; ولا زكاة فيها إلا أن تكون لتجارة . قال : وليس في الخبر لا نص ولا دليل ولا إشارة على شيء مما ادعوه ، وإنما فيه أنهم ظلموا خالدا إذ نسبوا إليه منع الزكاة وهو قد احتبس أدراعه وأعبده في سبيل الله فقط ، صدق عليه السلام ، إذ من المحال أن يكون رجل عاقل ذو دين ينفق النفقة العظيمة في التطوع ثم يمنع اليسير في الزكاة المفروضة ; هذا حكم الحديث ، وأما إعمال الظن الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فباطل . أبو محمد
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن لا زكاة في عروض التجارة ، وهو أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم { } . ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ولا فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة
وأنه أسقط الزكاة عما دون الأربعين من الغنم ، وعما دون خمسة أوسق من التمر والحب ; فمن أوجب زكاة في عروض التجارة فإنه يوجبها في كل ما نفي عنه عليه السلام الزكاة مما ذكرنا . وصح عنه عليه السلام { } وأنه عليه السلام قال : { ليس على المسلم في : عبده ، ولا فرسه ، صدقة إلا صدقة الفطر } . قد عفوت عن صدقة الخيل
وأنه عليه السلام ذكر حق الله تعالى في : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والكنز { } . فسئل عن الخيل ، فقال : الخيل ثلاثة : هي لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر
{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } } فسئل عن الحمير فقال : ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة : {
فمن أوجب الزكاة في عروض التجارة فإنه يوجبها في الخيل ، والحمير ، والعبيد ، [ ص: 45 ] وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا زكاة في شيء منها إلا صدقة الفطر في الرقيق ; فلو كانت في عروض التجارة ، أو في شيء مما ذكر عليه السلام زكاة إذا كان لتجارة - : لبين ذلك بلا شك ; فإذ لم يبينه عليه السلام فلا زكاة فيها أصلا . وقد صح الإجماع المتيقن على أن حكم كل عرض كحكم الخيل ، والحمير ، والرقيق ، وما دون النصاب من الماشية ، والعين .
ثم اختلف الناس فمن موجب الزكاة في كل ذلك إذا كان للتجارة ، ومن مسقط للزكاة في كل ذلك لتجارة كانت أو لغير تجارة .
وصح بالنص أن لا زكاة في الخيل ، ولا في الرقيق ، ولا في الحمير ، ولا فيما دون النصاب من الماشية والعين ; وصح الإجماع من كل أحد على أن حكم كل عرض في التجارة كحكم هذه . فصح من ذلك أن لا زكاة في عروض التجارة بالإجماع المذكور . وقد صح الإجماع أيضا على أنه لا زكاة في العروض .
ثم ادعى قوم أنها إذا كانت للتجارة ففيها زكاة ; وهذه دعوى بلا برهان .
وأجمع الحنفيون والمالكيون ، والشافعيون : على أن من اشترى سلعا للقنية ثم نوى بها التجارة فلا زكاة فيها - وهذا تحكم في إيجابهم الزكاة في أثمانها إذا بيعت ثم اتجر بها بلا برهان .
وأما قولهم : إن الزكاة فيما ينمى ، فدعوى كاذبة متناقضة ; لأن عروض القنية تنمى قيمتها كعروض التجارة ولا فرق . فإن قالوا : العروض للتجارة فيها النماء . قلنا : وفيها أيضا الخسارة ، وكذلك الحمير تنمى ، ولا زكاة فيها عندهم ، والخيل تنمى ، ولا زكاة فيها عند الشافعيين ، والمالكيين ، والإبل العوامل تنمى ولا زكاة فيها عند الحنفيين ، والشافعيين ، وما أصيب في أرض الخراج ينمى ، ولا زكاة فيها عند الحنفيين ، وأموال العبيد تنمى ، ولا زكاة فيها عند المالكيين .
قال : وأقوالهم واضطرابهم في هذه المسألة نفسها برهان قاطع على أنها [ ص: 46 ] ليست من عند الله تعالى . أبو محمد
فإن طائفة منهم قالت : تزكى عروض التجارة من أعيانها . وهو قول . وطائفة قالت : بل نقومها ثم اختلفوا : فقال المزني : نقومها بالأحوط للمساكين . وقال أبو حنيفة : بل ربما اشتراها به ; فإن كان اشترى عرضا بعرض قومه بما هو الأغلب من نقد البلد . وقال الشافعي : مالك فلا زكاة عليه إلا حتى يبيع ولو بدرهم ، فإذا نض له ولو درهم قوم حينئذ عروضه وزكاها . من باع عرضا بعرض أبدا
فليت شعري ما شأن الدرهم هاهنا ، إن هذا لعجب .
فكيف إن لم ينض له إلا نصف درهم ، أو حبة فضة ، أو فلس ; كيف يصنع .
وقال ، أبو حنيفة : يقوم ويزكي وإن لم ينض له درهم . والشافعي
وقال : مالك - ولو حبس عروضه سنين - إلا حتى يبيع ، فإذا باع زكى حينئذ لسنة واحدة - وهذا عجب جدا . المدير الذي يبيع ويشتري يقوم كل سنة ويزكي ، وأما المحتكر فلا زكاة عليه
وقال ، أبو حنيفة : كلاهما سواء ، يقومان كل سنة ويزكيان . والشافعي
حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا ثنا أبو بكر بن أبي شيبة محمد بن بكر عن قال : قال لي ابن جريج : لا صدقة في لؤلؤ ، ولا في زبرجد ، ولا ياقوت ، ولا فصوص ولا عرض ولا شيء لا يدار . عطاء
فإن كان شيء من ذلك يدار ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع - وهذا خلاف قول من ذكرنا .
وقال : لا يضيف الربح إلى رأس المال إلا الصيارفة ، وهذا عجب جدا . الشافعي
وقال ; أبو حنيفة ; بل يضيف الربح إلى رأس المال ولو لم يربحه إلا في تلك الساعة فكان هذا أيضا عجبا . ومالك
وأقوالهم في هذه المسألة طريفة جدا لا يدل على صحة شيء منها قرآن ولا سنة [ ص: 47 ] صحيحة ولا رواية فاسدة ولا قول صاحب أصلا ، وأكثر ذلك لا يعرف له قائل قبل من قاله منهم ، والله تعالى يقول { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } .
فليت شعري هل رد هؤلاء هذا الاختلاف إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم . وهل وجدوا في القرآن والسنن نصا أو دليلا على شيء من هذه الأقوال الفاسدة . وكلهم يقول : من اشترى سلعة للقنية فنوى بها التجارة فلا زكاة فيها ، فإن اشتراها للتجارة فنوى بها القنية سقطت الزكاة عنها ; فاحتاطوا لإسقاط الزكاة التي أوجبوها بجهلهم .
وقالوا كلهم : ، فإن زكاة التجارة تسقط وتلزمه الزكاة المفروضة ; وكان في هذا كفاية لو أنصفوا أنفسهم ، ولو كانت زكاة التجارة حقا من عند الله تعالى ما أسقطتها الزكاة المفروضة ; ولكن الحق يغلب الباطل . من اشترى ماشية للتجارة ، أو زرع للتجارة
فإن قالوا : لا تجتمع زكاتان في مال واحد . قلنا : فما المانع من ذلك ليت شعري إذا كان الله تعالى قد أوجبهما جميعا أو رسوله صلى الله عليه وسلم