ولو لكان في ذلك افتضاح المسلم إذا أقام المدعي البينة بعد ذلك استحلف القاضي الخصم مع حضور الشهود وأبو يوسف رحمهما الله قالا إذا كان الشهود في مجلس الحكم . فكذلك يتمكن المدعي من إثبات حقه بالشهادة في الحال . فأما إذا لم يكونوا في مجلس الحكم فله غرض صحيح في الاستحلاف وهو أن يقتصر المؤنة والمسافة عليه بإقرار المدعى عليه أو نكوله عن اليمين فيتوصل إلى حقه في الحال فكان له أن يطلب يمينه ، ثم قد بينا في كتاب الدعوى أن المقصود نكول المدعى عليه ، وأن الاستحلاف في كل ما يجوز فيه القضاء بالنكول ; ولهذا لا يستحلف في الحدود ; لأنه لا يقضى فيها بالنكول والنكول قائم مقام الإقرار ، وفي الحدود التي هي لله تعالى خالصا لا يجوز إقامتها بالإقرار بعد الرجوع فكيف يقام بالنكول والنكول قائم مقام الإقرار ، وفي حد القذف النكول قائم مقام الإقرار ولا يجوز إقامته بما هو قائم مقام الغير كما لا يقام بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي إلا أنه يستحلف في السرقة ليقضي عند النكول بالمال دون القطع ، وهذا ; لأن المدعي يدعي أخذ المال بجهة السرقة فيستحلف الخصم في الأخذ ، وعند نكوله يقضي بذلك لا بجهة السرقة كما لو أقر بالسرقة ، ثم رجع وكما في الشهادة على الشهادة وشهادة الرجال مع النساء في السرقة فإنه يثبت بها الأخذ الموجب للضمان دون السرقة الموجبة للقطع . فكذلك في النكول ; ولهذا ومحمد والفيء في الإتلاف والرق والنسب والولاء في قول لا يستحلف في النكاح والرجعة رحمه الله ; لأنه لا يجوز القضاء فيها بالنكول والنكول عنده بمنزلة البدل وهما يقولان يستحلف في هذه الأشياء ويقضى بالنكول فالنكول أبي حنيفة عندهما قائم مقام الإقرار ، وقد بينا هذا في الدعوى ، وفي دعوى القصاص يستحلف لا للقضاء بالنكول بل لتعظيم حرمة النفوس .
( ألا ترى ) أن الأيمان في القسامة شرعت مكررة لذلك ، وإن كلمات اللعان أيمان مشروعة لتعظيم حرمة النسبة إلى الفاحشة .