( تنبيهات : الأول ) : هنا مسألة واقعة عمت بها البلوى وهي أن الخصمين إذا فرغا من الخصومة واتفقا على أمر وأرادا أن يثبتاه عند الحاكم فمن الناس من يمتنع من الرواح إلى مجلس الحاكم تكبرا ومنهم من يمتنع لعذر فيشهد كل واحد من الخصمين أنه وكل كل أحد من المسلمين في الدعوى والإعذار والثبوت وطلب الحكم فيأتي إلى رجل من الناس ويشهدون عند الحاكم أنه وكيل فلان وشخص آخر أنه وكيل فلان الآخر ويكملون أمرهم فهل هذا التوكيل صحيح أم لا ؟ الشهود على الوكالة
فاعلم أنه لا يخلو إما أن يريد الموكل بقوله وكلت كل أحد من المسلمين في إثبات كذا إلى آخره أنه يوكل كل واحد من المسلمين لا بعينه ، وهذا هو المتبادر فلا مرية في عدم صحة هذا الوجه للجهل بعين الوكيل قال ابن فرحون في الفصل الخامس من القسم الثالث من الركن السادس من الباب الخامس من القسم الأول من أقسام الكتاب في التنبيه على أحكام يتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول مسألة من الوكالة : لا يسمع القاضي من أحد دعوى الوكالة حتى يثبت عنده ذلك بشاهدين أو بشاهد ويمين على قول مالك وابن القاسم ولا بد أن يشهد الشهود على معرفة عين الموكل ويثبت عنده أيضا عين الوكيل إما بالشاهدين الأولين أو بغيرهما وإذا ، فلا يحكم بينهما بمجرد قولهما ; لأنه حق لغيرهما يتهمان على التواطؤ ولو حضر الوكيل والخصم وتقاررا على صحة الوكالة لم يجبره الحاكم على دفعه على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة انتهى . صدق الخصم الوكيل في الدعوى ، واعترف بالمدعى به
وإن أراد بقوله كل أحد من المسلمين أن جميع المسلمين وكلاء عنه في ذلك فيمكن هنا الشهادة على عين كل أحد من المسلمين أنه وكيله لكن الذي يظهر أنه يمنع من جهة أخرى ، وهو أن لا يجوز ، ولا شك أن هذه وكالة في دعوى وإنكار وإثبات وبحث سيدي الشيخ العلامة توكيل أكثر من واحد على الخصام أحمد بن عبد الغفار في كون ذلك وكالة في خصومة فتأمله وقال في آخر كتاب الوكالة من النوادر ومن كتاب ابن المواز قال : ومن شرط في ذكر حقه ومن قام به فله أن يقضيه فلا يجوز هذا ولا يقضى له إلا بوكالة انتهى . [ ص: 183 ] وما قاله مالك ابن فرحون من عدم جبره الحاكم على الدفع فيما إذا صدر ، والخصم الوكيل على الدعوى فاعترف بالمدعى عليه موافق لما في المعونة وتبصرة اللخمي ومخالف لما جزم به في الفصل السادس من تبصرته ونصه مسألة في المطلوب يوافق على صحة الوكالة قبل ثبوتها وإذا قام رجل على رجل في مهر امرأته أو دين رجل وادعى وكالة صاحب ذلك الحق فأقر المطلوب بالدين أو المهر واعترف بصحة الوكالة فإنه يلزمه دفع ذلك إليه ، فإن كان صاحب الحق على المطلوب يطلبه بذلك قضى له به ; لأنه إنما يقضي عليه أولا بإقراره ، والمصيبة منه انتهى .
وله في الباب السبعين في القضاء بالأمارات وقرائن الأحوال ما يوافق ما له في الفصل السادس وعزاه للمتيطية ونصه وفي المتيطية حكى عن ابن حبيب عن فيمن قال لرجل ما قاله لرجل وكلني فلان على قضاء دينه منك وعدده كذا فصدقه في الوكالة وأقر بالدين أنه يلزم الدفع إليه فإن قدم فلان وأنكر التوكيل غرم المقر ; لأن الحكم كان بإقراره انتهى . وفيه ما يؤخذ منه ما يخالف هذا ، ويوافق ما تقدم عن الفصل الخامس فتأمله والله أعلم انتهى . سحنون