قوله عز وجل:
ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار
[ ص: 442 ] قد قدمنا ذكر الخلاف في هذه الأقوال كلها، هل هي من قول مؤمني آل فرعون أو من قول موسى عليه السلام؟ وقالت فرقة من المتأولين منهم : الطبري يوسف المذكور هو يوسف بن يعقوب عليه الصلاة والسلام، وقالت فرقة: بل هو حفيده يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب عليه السلام. و"البينات" التي جاء بها يوسف عليه السلام لم تعين لنا حتى نقف على معجزاته، وروي عن أن وهب بن منبه فرعون موسى لحق يوسف، وأن هذا التقريع له. وروى عن أشهب أنه بلغه أن مالك فرعون عمر أربعمائة سنة وأربعين سنة، وقالت فرقة: بل هو فرعون آخر.
وقوله تعالى: قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا حكاية لرتبة قولهم لأنهم إنما أرادوا: أن يجيء بعد هذا من يدعي مثل ما ادعى، ولم يقر أولئك قط برسالة الأول ولا الآخر ولا بأن الله يبعث الرسل، فحكى رتبة قولهم، وجاءت عبارتهم مشنعة عليهم، ولذلك قال بإثر هذا: كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ، أي: كما صيركم من الكفر والضلالة في هذا الحد فنحو ذلك هو إضلاله لصنفكم أهل السرف في الأمور وتعدي الطور والارتياب بالحقائق. وفي مصحف ، أبي بن كعب : "قلتم لن يبعث الله". وابن مسعود
ثم أنحى لهم على قوم صفتهم موجودة في قوم فرعون، فكأنه أرادهم فزال عن مخاطبتهم حسن أدب واستخلابا، فقال: الذين يجادلون في آيات الله ، أي بالإبطال لها والرد بغير برهان ولا حجة أتتهم من عند الله. كبر مقتا جدالهم عند الله ، فاختصر ذكر الجدال لدلالة تقدم ذكره عليه، ورد الفاعل بـ"كبر" نصبا على التمييز، كقولك: تفقأت شحما وتصببت عرقا، و"يطبع" معناه: يختم بالضلال ويحجب عن الهدى.
وقرأ ، أبو عمرو - بخلاف عنه -: "على كل قلب" بالتنوين "متكبر" على الصفة، وقرأ الباقون: بالإضافة إلى "متكبر"، قال والأعرج : المعنى: يطبع الله على القلوب إذ كانت قلبا قلبا من كل متكبر، ويؤكد ذلك أن في مصحف أبو علي رضي الله عنه: "على قلب كل متكبر". عبد الله بن مسعود
[ ص: 443 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويتجه أن يكون المراد عموم قلب المتكبر الجبار بالطبع، أي لا ذرة فيه من إيمان ولا مقاربة، فهي عبارة عن شدة إطلاقه.