قوله عز وجل:
وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب
ذكر الله عز وجل مقالة فرعون حين أعيته الحيل في مقاومة موسى عليه السلام بحجة، وظهر لجميع المشاهدين أن ما يدعو إليه موسى هو عبادة إله السماء، فنادى فرعون هامان - وهو وزيره والناظر في أموره - فأمره أن يبني له بناء عاليا نحو السماء، و"الصرح" كل بناء عظيم شنيع القدر، مأخوذ من الظهور والصراحة، ومنه قولهم: "صريح النسب، وصرح بقوله" ، فيروى أن هامان طبخ الآجر - ولم يطبخ قبله - وبناه ارتفاع مائة ذراع، فبعث الله تبارك وتعالى جبريل عليه السلام فمسحه بجناحه فكسره ثلاث كسر، تفرقت اثنتان ووقعت ثالثة في البحر، وروي أن هامان لم يكن من القبط، وقيل: كان منهم، و"الأسباب": الطرق، قاله ، وقال السدي : الأبواب، وقيل: عنى: لعله يجد مع قربه من السماء سببا يتعلق به، وقرأ الجمهور: قتادة "فأطلع" بالرفع عطفا على "أبلغ"، وقرأ حفص عن ، عاصم : "فأطلع" بالنصب بالفاء في جواب التمني. ولما قال والأعرج فرعون بمحضر من ملئه: فأطلع إلى إله موسى اقتضى كلامه الإقرار بإله موسى، فاستدرك ذلك استدراكا قلقا بقوله: وإني لأظنه كاذبا .
[ ص: 444 ] ثم قال تعالى: وكذلك زين أي أنه كما تخرق فرعون في بناء الصرح والأخذ في هذه الفنون المقصرة، كذلك جرى جميع أمره، وزين له، أي زين الشيطان سوء عمله في كل أفعاله، وقرأ الجمهور: "وصد عن السبيل" بفتح الصاد، بإسناد الفعل إلى فرعون، وقرأ ، حمزة ، والكسائي ، وجماعة بضم الصاد وفتح الدال المشددة: "وصد" عطفا على "زين" وحملا عليه، وقرأ وعاصم : "وصد" بكسر الصاد على معنى صد أصله صدد، فنقلت الحركة ثم أدغمت الدال في الدال، وقرأ يحيى بن وثاب ابن أبي إسحاق ، وعبد الرحمن بن أبي بكرة : "وصد" بفتح الصاد ودال مهملة مشددة مرفوعة منونة عطفا على قوله: سوء عمله . و"السبيل": سبيل الشرع والإيمان، و"التباب": الخسران، ومنه: تبت يدا أبي لهب وتب ، وبه فسر مجاهد ، وتب وقتادة فرعون ظاهر لأنه خسر ماله في الصرح وغيره، وخسر ملكه، وخسر نفسه، وخلد في جهنم.
ثم وعظ الذي آمن فدعا إلى اتباع أمر الله تعالى، وقوله: اتبعون أهدكم يقوي أن المتكلم موسى عليه السلام، وإن كان الآخر يحتمل أن يقول ذلك، أي: اتبعوني في اتباع موسى عليه السلام.
ثم زهد في الدنيا وأخبر أنه شيء يتمتع به قليلا، ورغب في الآخرة، إذ هي دار الاستقرار. وقرأ ، نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي وحفص عن ، عاصم وأبو رجاء وشيبة ، : "يدخلون" بفتح الياء وضم الخاء، وقرأ والأعمش ، ابن كثير ، وأبو عمرو وأبو بكر عن ، عاصم ، والأعرج ، والحسن ، وأبو جعفر : "يدخلون" بضم الياء وفتح الخاء. وعيسى