قوله تعالى:
إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب
همم الكفار الذين لا يقرون ببعث إنما هي على وجه الدهر وإلى يوم القيامة - في زينة الدنيا، وهي المال والبنون، فأخبر الله تعالى في هذه الآية، أن ذلك المتهمم فيه لا يغني عن صاحبه شيئا، ولا يمنعه من عذاب الله وعقابه. و"من" في قوله: "من الله" لابتداء الغاية، والإشارة بالآية إلى معاصري النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم، وهي- بعد- متناولة كل كافر.
وقرأ "لن يغني" بالياء، على تذكير العلامة. أبو عبد الرحمن:
والوقود بفتح الواو: ما يحترق في النار من حطب ونحوه، وكذلك هي قراءة جمهور الناس. وقرأ الحسن وجماعة غيرهما: "وقود" بضم الواو، وهذا على حذف مضاف تقديره: "حطب وقود النار" والوقود بضم الواو: المصدر، وقدت النار تقد إذا اشتعلت. والدأب والدأب - بسكون الهمزة وفتحها - مصدر دأب يدأب، إذا لازم فعل شيء ودام عليه مجتهدا فيه، ويقال للعادة "دأب"، فالمعنى في الآية: [ ص: 166 ] تشبيه هؤلاء في لزومهم الكفر ودوامهم عليه بأولئك المتقدمين، وآخر الآية يقتضي الوعيد بأن يصيب هؤلاء مثل ما أصاب أولئك من العقاب. ومجاهد
والكاف في قوله تعالى: "كدأب" في موضع رفع، والتقدير: دأبهم كدأب، ويصح أن يكون الكاف في موضع نصب. قال الفراء: هو نعت لمصدر محذوف تقديره: كفرا كدأب، فالعامل فيه "كفروا"، ورد هذا القول بأن الكاف خارجة من الصلة فلا يعمل فيه ما في الصلة. الزجاج
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ الوقود ويكون التشبيه في نفس الاحتراق، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا والقول الأول أرجح الأقوال أن تكون الكاف في موضع رفع، والهاء في "قبلهم" عائدة على آل فرعون، ويحتمل أن تعود على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار.
وقوله: "بآياتنا" يحتمل أن يريد بالآيات: المتلوة، ويحتمل أن يريد: العلامات المنصوبة. واختلفت عبارة المفسرين في تفسير الدأب، وذلك كله راجع إلى المعنى الذي ذكرناه.