قوله عز وجل:
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد
يحتمل أن تكون هذه الآية حكاية عن الراسخين في العلم أنهم يقولون هذا مع [ ص: 164 ] قولهم "آمنا به"، ويحتمل أن يكون المعنى منقطعا من الأول، لما ذكر أهل الزيغ وذكر نقيضهم وظهر ما بين الحالتين; عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء إليه في أن لا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت، وهي أهل الزيغ. وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم: إن الله لا يضل العباد، ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز أن يدعى في دفع ما لا يجوز عليه فعله.
وتزغ معناه: تمل قلوبنا عن الهدى والحق. وقرأ أبو واقد والجراح: "لا تزغ قلوبنا" بإسناد الفعل إلى القلوب، وهذه أيضا رغبة إلى الله تعالى. وقال أبو الفتح: ظاهر هذا ونحوه الرغبة إلى القلوب وإنما المسؤول الله تعالى، [وقوله: "الرغبة إلى القلوب" غير متمكن]. ومعنى الآية على القراءتين أي لا يكن مثل خلق الزيغ فتزيغ هي، قال وقيل: إن معنى الآية: لا تكلفنا عبادة ثقيلة تزيغ منها قلوبنا، وهذا قول فيه التحفظ من خلق الله تعالى الزيغ والضلالة في قلب أحد من العباد. الزجاج:
و"من لدنك" معناه: من عندك ومن قبلك، أي يكون تفضلا لا عن سبب منا ولا عن عمل. وفي هذا استسلام وتطارح. والمراد: هب لنا نعيما صادرا عن الرحمة، لأن الرحمة راجعة إلى صفات الذات، فلا تتصور فيها الهبة.
وقوله تعالى: ربنا إنك جامع الناس إقرار بالبعث ليوم القيامة. قال هذا هو التأويل الذي علمه الراسخون فأقروا به، وخالف الذين اتبعوا ما تشابه عليهم من أمر البعث حين أنكروه. والريب: الشك، والمعنى: أنه في نفسه حق لا ريب فيه، وإن وقع فيه ريب عند المكذبين به فذلك لا يعتد به، إذ هو خطأ منهم. الزجاج:
[ ص: 165 ] وقوله تعالى: إن الله لا يخلف الميعاد يحتمل أن يكون إخبارا منه لمحمد عليه الصلاة والسلام وأمته، ويحتمل أن يكون حكاية من قول الداعين، ففي ذلك إقرار بصفة ذات الله تعالى. والميعاد: مفعال من الوعد.