قوله عز وجل:
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم
أصل شهد في كلام العرب: حضر، ومنه قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ثم صرفت الكلمة حتى قيل في أداء ما تقرر علمه في النفس، بأي وجه تقرر; من حضور أو غيره: شهد يشهد; فمعنى "شهد الله": أعلم عباده بهذا الأمر الحق وبينه. وقال شهد الله معناه: قضى الله، وهذا مردود من جهات. أبو عبيدة:
وقرأ جميع القراء: "أنه لا إله" بفتح الألف من "أنه" وبكسرها من قوله: "إن [ ص: 179 ] الدين" واستئناف الكلام. وقرأ وحده: "أن الدين" بفتح الألف. قال الكسائي "أن" بدل من "أنه" الأولى، وإن شئت جعلته من بدل الشيء من الشيء وهو هو، لأنه الإسلام هو التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال، لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلت "إن الدين" بدلا من "القسط" لأنه هو في المعنى. ووجه أبو علي: هذه القراءة بأن قدر في الكلام واو عطف ثم حذفت وهي مرادة، كأنه قال: "وإن الدين" وهذا ضعيف. وقرأ الطبري عبد الله بن العباس: "إنه لا إله إلا هو" بكسر الألف من "إنه" ، وقرأ "أن الدين" بفتح الألف، فأعمل "شهد" في "أن الدين" وجاء قوله: "إنه لا إله إلا هو" اعتراضا جميلا في نفس الكلام المتصل. وتأول الآية على نحو قراءة السدي فقال: الله وملائكته والعلماء يشهدون: "أن الدين عند الله الإسلام". وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار: "شهداء الله" على وزن فعلاء وبالإضافة إلى المكتوبة. قال أبو الفتح، هو نصب على الحال من الضمير في "المستغفرين"، وهو جمع شهيد أو جمع شاهد كعالم وعلماء، وروي عن ابن عباس أبي المهلب هذا أنه قرأ "شهداء الله" برفع الشهداء، وروي عنه أنه قرأ: "شهد الله" على وزن فعل، بضم الفاء والعين، ونصب شهداء على الحال. وحكى أنه قرئ: "شهد الله" بضم الشين والهاء والإضافة إلى المكتوبة، قال: فمنهم من نصب الدال ومنهم من رفعها. وأصوب هذه القراءات قراءة الجمهور، وإيقاع الشهادة على التوحيد. النقاش والملائكة وأولو العلم عطف على اسم الله تعالى. وعلى بعض ما ذكرناه من القراءات يجيء قوله: والملائكة وأولو العلم ابتداء وخبره مقدر، كأنه قال: والملائكة وأولو العلم يشهدون و قائما نصب على الحال من اسمه تعالى في قوله: شهد الله أو من قوله: إلا هو وقرأ "القائم بالقسط" والقسط العدل. ابن مسعود