قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد
الضمير في "تخفوا" هو للمؤمنين الذين نهوا عن اتخاذ الكافرين أولياء، [ ص: 195 ] والمعنى: إنكم إن أبطنتم الحرص على إظهار موالاتهم; فإن الله يعلم ذلك ويكرهه منكم. وقوله: ويعلم ما في السماوات وما في الأرض معناه: على التفصيل. وقوله: على كل شيء قدير عموم، والشيء في كلام العرب: الموجود.
و"يوم" نصب على الظرف، وقد اختلف في العامل فيه، فقال العامل فيه "قدير"، وقال مكي بن أبي طالب: العامل فيه قوله: الطبري: وإلى الله المصير ، وقاله وقال أيضا: العامل فيه ( ويحذركم الله نفسه يوم ) ورجحه، وقال الزجاج، حكاية: العامل فيه فعل مضمر، تقديره: "اذكر يوم" و"ما" بمعنى الذي، و"محضرا" قال مكي معناه: موفرا، وهذا تفسير بالمعنى، والحضور أبين من أن يفسر بلفظ آخر. قتادة:
وقوله تعالى: وما عملت من سوء يحتمل أن تكون "ما" معطوفة على "ما" الأولى فهي في موضع نصب وتكون "تود" في موضع الحال، وإلى هذا العطف ذهب وغيره، ويحتمل أن تكون رفعا بالابتداء، ويكون الخبر في قوله "تود" وما بعده، كأنه قال: وعملها السيء مردود عندها، إن بينها وبينه أمدا. الطبري
وفي قراءة "من سوء ودت"، وكذلك قرأ ابن مسعود ويجوز على هذه القراءة أن تكون "ما" شرطية، ولا يجوز ذلك على قراءة "تود" لأن الفعل مستقبل مرفوع، والشرط يقتضي جزمه، اللهم إلا أن يقدر في الكلام محذوف "فهي تود" وفي ذلك ضعف. والأمد: الغاية المحدودة من المكان أو الزمان. قال ابن أبي عبلة، النابغة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . سبق الجواد إذا استولى على الأمد
فهذه غاية في المكان. وقال الطرماح:
كل حي مستكمل عدة العمـ ... ـر ومود إذا انقضى أمده
فهذه غاية في الزمان.
[ ص: 196 ] وقال في تفسير هذه الآية: يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا، ذلك مناه، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها. الحسن
وقوله تعالى: والله رءوف بالعباد يحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير، لأن تحذيره وتنبيهه على النجاة; رأفة منه بعباده، ويحتمل أن يكون ابتداء إعلام بهذه الصفة، فمقتضى ذلك التأنيس لئلا يفرط الوعيد على نفس مؤمن، وتجيء الآية على نحو قوله تعالى: ( إن ربك شديد العقاب وإنه لغفور رحيم ) لأن قوله: ويحذركم الله نفسه معناه: والله محذور العقاب.