قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء
اختلف المفسرون لم قال زكرياء رب أنى يكون لي غلام ؟ فقال عكرمة إنه نودي بهذه البشارة، جاء الشيطان يكدر عليه نعمة ربه، فقال: هل تدري من ناداك؟ قال: نادتني ملائكة ربي، قال بل ذلك الشيطان، ولو كان هذا من عند ربك لأخفاه لك كما أخفيت نداءك، قال: فخالطت قلبه وسوسة وشك مكانه، فقال: والسدي: أنى يكون لي غلام وذهب وغيره إلى أن الطبري زكرياء لما رأى حال نفسه وحال امرأته وأنها ليست [ ص: 213 ] بحال نسل; سأل عن الوجه الذي به يكون الغلام، أتبدل المرأة خلقتها أم كيف يكون؟
وهذا تأويل حسن يليق بزكرياء عليه السلام. وقال وقيل إنما سأل لأنه نسي دعاءه لطول المدة بين الدعاء والبشارة، وذلك أربعون سنة. وهذا قول ضعيف المعنى. و"أنى" معناه: كيف؟ ومن أين؟. وقوله: مكي: بلغني الكبر استعارة، كأن الزمان طريق والحوادث تتساوق فيه، فإذا التقى حادثان; فكأن كل واحد منهما قد بلغ صاحبه، وحقيقة البلوغ في الأجرام أن ينتقل البالغ إلى المبلوغ إليه. وحسن في الآية بلغني الكبر من حيث هي عبارة واهن منفعل، و"بلغت" عبارة فاعل مستعل، فتأمله. ولا يعترض على هذا بقوله: وقد بلغت من الكبر عتيا لأنه قد أفصح بضعف حاله في ذكر العتي.
والعاقر: الإنسان الذي لا يلد، يقال ذلك للمرأة والرجل. قال عامر بن الطفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا ... جبانا فما عذري لدى كل محضر
وعاقر: بناء فاعل وهو على النسب وليس بجار على الفعل. والإشارة بـ "ذلك" في قوله تعالى: كذلك الله يحتمل أن تكون إلى هذه الغريبة التي بشر بها، أي كهذه القدرة المستغربة هي قدرة الله، ففي الكلام حذف مضاف، والكلام تام في قوله: كذلك الله وقوله: يفعل ما يشاء شرح الإبهام الذي في ذلك. ويحتمل أن تكون الإشارة بـ ذلك إلى حال زكرياء وحال امرأته كأنه قال: رب على أي وجه يكون لنا غلام ونحن بحال كذا؟ فقال له:" كما أنتما يكون لكما الغلام"، والكلام تام على هذا التأويل في قوله: "كذلك"، وقوله: الله يفعل ما يشاء جملة مبينة مقررة في النفس وقوع هذا الأمر المستغرب.