قوله عز وجل:
كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور
هذا خبر واعظ فيه تسلية للنبي عليه السلام ولأمته عن أمر الدنيا وأهلها، وعد في الآخرة ، فبالفكرة في الموت يهون أمر الكفار وتكذيبهم، والمعنى: كل نفس مخلوقة [ ص: 437 ] حية، والذوق هنا: استعارة، "وإنما" حاصرة على التوفية التي هي على الكمال، لأن من قضي له بالجنة فهو ما لم يدخلها غير موفى. وخص تعالى ذكر الأجور لشرفها وإشارة إلى معرفته لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، ولا محالة أن المعنى: إن يوم القيامة تقع فيه الأجور وتوفية العقاب. و"زحزح" معناه: أبعد، والمكان الزحزح: البعيد. و"فاز" معناه: نجا من خطره وخوفه، و"الغرور" الخدع والترجية بالباطل، والحياة الدنيا وكل ما فيها من الأموال فهي متاع قليل تخدع المرء وتمنيه الأباطيل.
وعلى هذا فسر الآية جمهور من المفسرين: قال عبد الرحمن بن سابط: متاع الغرور كزاد الراعي، يزود الكف من التمر أو الشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن، قال ذهب إلى أن متاع الدنيا قليل لا يكفي من تمتع به ولا يبلغه سفره. الطبري:
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والغرور في هذا المعنى مستعمل في كلام العرب، ومنه قولهم في المثل: "عش ولا تغتر" ، أي لا تجتزئ بما لا يكفيك.
وقال "متاع الغرور": القوارير، أي: لا بد لها من الانكسار والفساد، فكذلك أمر الحياة الدنيا كله. عكرمة:
وهذا تشبيه من عكرمة.
وقرأ "الغرور" بفتح الغين، وقرأ عبد الله بن عمر أبو حيوة "ذائقة"، بالتنوين "الموت" بالنصب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم، والأعمش: "لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها" ثم تلا هذه الآية..