قوله تعالى: ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ، الآية (33) :
قال ابن عباس المولى ها هنا العصبة. ومجاهد:
وقال الورثة. السدي:
وأصل المولى: من ولي الشيء يليه، وهو إيصال الولاية في التصرف، والمولى لفظ مشترك يطلق على وجوه، فيسمى المعتق مولى والمعتق كمثل، ويقال: المولى الأسفل والأعلى، لاتصال كل واحد منهما بصاحبه، ويسمى الناصر المولى.
وأن الكافرين لا مولى لهم .
[ ص: 445 ] ويسمى ابن العم مولى، والجار مولى.
وقد بسط المتكلمون من أهل السنة أقوالهم في هذا في الرد على الإمامية، عند احتجاجهم بقوله عليه السلام:
فمعنى الولاء هاهنا العصبة، لقوله عليه السلام: "من كنت مولاه فعلي مولاه"،
"ما أبقت السهام فلأولي عصبة ذكر".
وقوله: يدل على أن المراد بقوله: "فلأولي عصبة ذكر" ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون هم العصبات.
ومن العصبات المولى الأعلى لا الأسفل، على قول أكثر العلماء، لأن المفهوم في حق العتق، أنه المنعم على المعتق، وكالموجد له، فاستحق ميراثه لهذا المعنى.
وحكى عن الطحاوي أن المولى الأسفل، يرث من الأعلى واحتج فيه بما روي: الحسن بن زياد: أن رجلا أعتق عبدا له، فمات المعتق ولم يترك إلا المعتق، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام المعتق.
قال ولا معارض لهذا الحديث، فوجب القول به، ولأنه إذا أمكن إثبات الميراث للمعتق، على تقدير أنه كالموجد له، فهو [ ص: 446 ] شبيه بالأب، والمولى الأسفل شبيه بالابن، وذلك يقتضي التسوية بينهما في الميراث. الطحاوي:
والأصل أن الاتصال يعم.
وفي الخبر: ومولى القوم منهم.
والذين خالفوا هذا وهم الجمهور قالوا:
الميراث يستدعي القرابة ولا قرابة، غير أنا أثبتنا للمعتق الميراث بحكم الإنعام على المعتق، فيقتضي مقابلة الإنعام بالمجازاة، وذلك لا ينعكس في المولى الأسفل.
وأما الابن فهو أولى الناس بأن يكون خليفة أبيه وقائما مقامه، وليس المعتق صالحا لأن يقوم مقام معتقه، وإنما المعتق قد أنعم عليه، فقابله الشرع بأن جعله أحق لمولاه المعتق، ولا يوجد هذا في المولى الأسفل، فظهر الفرق بينهما.
قوله تعالى: والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم الآية (33) .
قال في ذلك: كان المهاجر يرث الأنصاري دون ذي رحمه بالأخوة التي جعلها الله تعالى بينهم بالإسلام فلما نزلت: ابن عباس
ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون .
[ ص: 447 ] نسخت، ثم قرأ: والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النصر والرفادة والوصاية، وقد ذهب الميراث.
وعن ابن عباس: والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ، فكان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر، فأنزل الله تعالى:
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا .
يقول: "إلا أن توصوا".
وعن في قوله تعالى: سعيد بن جبير والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم قال:
كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيموت فيرثه.
وعاقد رضي الله عنه رجلا، فورثه لما مات. الصديق أبو بكر
وقال سعيد بن المسيب:
هذا في الذين كانوا يتبنون رجالا ويورثوهم، فأنزل الله تعالى فيهم، أن يجعل لهم من الوصية، ورد الميراث إلى المولى من ذوي الرحم والعصبة.
إذا ثبت هذا فأبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر، صاروا [ ص: 448 ] إلى أن الميراث بالمعاقدة، لم ينفسخ عند فقد الأقربين والمولى، بل يتعلق بها الميراث عند عدم الرحم والولاء، فإن الله تعالى جعل ذوي الأرحام أولى، فإذا لم يكونوا بقي على حكم الآية، وهذا بعيد، فإن الذي في الآية: ومحمد،
ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم .
فأثبت الميراث بالمعاقدة عند وجودها، وعلى أن قوله: فآتوهم نصيبهم ، ليس نصا في الميراث، بل معناه: من النصرة والمعونة والرفاد.