الرابع عشر : كنسخة النسخ المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد، عن "همام بن منبه، رواية أبي هريرة" عن عبد الرزاق، عنه، ونحوها من النسخ والأجزاء . منهم من يجدد ذكر الإسناد في أول كل حديث منها ، ويوجد هذا في كثير من الأصول القديمة، وذلك أحوط ، ومنهم من يكتفي بذكر الإسناد في أولها عند أول حديث منها، أو في أول كل مجلس من مجالس سماعها، ويدرج الباقي عليه، ويقول في كل حديث بعده: " وبالإسناد "، أو " وبه " وذلك هو الأغلب الأكثر . معمر
وإذا أراد من كان سماعه على هذا الوجه تفريق تلك الأحاديث، ورواية كل حديث منها بالإسناد المذكور في أولها، جاز له ذلك عند الأكثرين ، منهم ، وكيع بن الجراح ويحيى بن معين، ، وهذا لأن الجميع معطوف على الأول، فالإسناد المذكور أولا في حكم المذكور في كل حديث، وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله. والله أعلم . وأبو بكر الإسماعيلي
ومن المحدثين من أبى إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور أولا، ورآه تدليسا . وسأل بعض أهل الحديث الأستاذ الفقيه الأصولي عن ذلك، فقال : "لا يجوز ". أبا إسحاق الإسفرائيني
وعلى هذا من كان سماعه على هذا الوجه فطريقه أن يبين، ويحكي ذلك كما جرى، كما فعله في صحيحه في صحيفة مسلم نحو قوله: ثنا همام بن منبه، محمد بن رافع، قال : ثنا ، قال: أنا عبد الرزاق عن معمر قال : هذا ما حدثنا همام بن منبه، وذكر أحاديث، منها : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له : تمن .... الحديث ". وهكذا فعل كثير من المؤلفين. والله أعلم . أبو هريرة،
الخامس عشر : إذا قدم ذكر المتن على الإسناد، أو ذكر المتن، وبعض الإسناد، ثم ذكر الإسناد عقيبه على الاتصال ، مثل أن يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ) أو يقول: ( روى عن عمرو بن دينار، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ) ثم يقول: ( أخبرنا به فلان، قال : أخبرنا فلان) ويسوق الإسناد حتى يتصل بما قدمه، فهذا يلتحق بما إذا قدم الإسناد في كونه يصير به مسندا للحديث لا مرسلا له . جابر،
فلو أراد من سمعه منه هكذا أن يقدم الإسناد ويؤخر المتن، ويلفقه كذلك فقد ورد عن بعض من تقدم من المحدثين أنه جوز ذلك .
قلت : ينبغي أن يكون فيه خلاف نحو الخلاف في تقديم بعض متن الحديث على بعض . وقد حكى المنع من ذلك على القول بأن الرواية على المعنى لا تجوز، والجواز على القول بأن الرواية على المعنى تجوز، ولا فرق بينهما في ذلك. والله أعلم . الخطيب
وأما ما يفعله بعضهم من إعادة ذكر الإسناد في آخر الكتاب، أو الجزء بعد ذكره أولا، فهذا لا يرفع الخلاف الذي تقدم ذكره في إفراد كل حديث بذلك الإسناد عند روايتها، لكونه لا يقع متصلا بكل واحد منها، ولكنه يفيد تأكيدا، واحتياطا، ويتضمن إجازة بالغة من أعلى أنواع الإجازات. والله أعلم .
السادس عشر : إذا روى المحدث الحديث بإسناد، ثم أتبعه بإسناد آخر، وقال عند انتهائه " مثله" فأراد الراوي عنه أن يقتصر على الإسناد الثاني، ويسوق لفظ الحديث المذكور عقيب الإسناد الأول ، فالأظهر المنع من ذلك .
وروينا عن رحمه الله قال : "كان أبي بكر الخطيب الحافظ لا يجيز ذلك ". شعبة
وقال بعض أهل العلم : يجوز ذلك، إذا عرف أن المحدث ضابط متحفظ يذهب إلى تمييز الألفاظ وعد الحروف، فإن لم يعرف ذلك منه لم يجز ذلك ، وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا يورد الإسناد، ويقول: ( مثل حديث قبله متنه كذا وكذا ) ثم يسوقه . وكذلك إذا كان المحدث قد قال: (نحوه ). قال : (وهذا هو الذي أختاره ).
أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن أبي منصور علي بن علي البغداذي شيخ الشيوخ بها، بقراءتي عليه بها، قال: أنا والدي رحمه الله ، قال: أنا أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني، قال: أنا أبو القاسم بن حبابة ، قال: حدثنا ، قال: ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي عمرو بن محمد الناقد ، قال: ثنا قال : قال وكيع، : " فلان عن فلان مثله " "لا يجزئ " قال شعبة : وقال وكيع : "يجزئ ". سفيان الثوري
وأما إذا قال: ( نحوه ) فهو في ذلك عند بعضهم كما إذا قال: ( مثله ).
ونبئنا بإسناد عن قال : قال وكيع سفيان: إذا قال: "نحوه " فهو حديث .
وقال ( نحوه ) شك . شعبة
وعن أنه أجاز ما قدمنا ذكره في قوله " مثله" ولم يجزه في قوله: "نحوه ". يحيى بن معين
قال : وهذا القول على مذهب من لم يجز الرواية على المعنى . فأما على مذهب من أجازها فلا فرق بين " مثله " و" نحوه ". الخطيب
قلت : هذا له تعلق بما رويناه عن مسعود بن علي السجزي أنه سمع يقول : (إن مما يلزم الحديثي من الضبط والإتقان أن يفرق بين أن يقول: " مثله " أو يقول: " نحوه " فلا يحل له أن يقول: " مثله " إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد، ويحل أن يقول: " نحوه" إذا كان على مثل معانيه) والله أعلم . الحاكم أبا عبد الله الحافظ
السابع عشر : إذا ذكر الشيخ إسناد الحديث، ولم يذكر من متنه إلا طرفا، ثم قال: ( وذكر الحديث ) أو قال: ( وذكر الحديث بطوله ) فأراد الراوي عنه أن يروي عنه الحديث بكماله وبطوله، فهذا أولى بالمنع مما سبق ذكره في قوله ( مثله ) أو ( نحوه ). فطريقه أن يبين ذلك، بأن يقتص ما ذكره الشيخ على وجهه ويقول: ( قال : وذكر الحديث بطوله ) ثم يقول: ( والحديث بطوله هو كذا وكذا ) ويسوقه إلى آخره.
وسأل بعض أهل الحديث أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الشافعي المقدم في الفقه، والأصول عن ذلك، فقال : "لا يجوز لمن سمع على هذا الوصف أن يروي الحديث بما فيه من الألفاظ على التفصيل ".
وسأل أبو بكر البرقاني الحافظ الفقيه عمن قرأ إسناد حديث على الشيخ، ثم قال: " وذكر الحديث " هل يجوز أن يحدث بجميع الحديث ؟ فقال : إذا عرف المحدث، والقارئ ذلك الحديث، فأرجو أن يجوز ذلك، والبيان أولى أن يقول كما كان . أبا بكر الإسماعيلي الحافظ الفقيه،
قلت : إذا جوزنا ذلك فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ، لكنها إجازة أكيدة قوية من جهات عديدة، فجاز لهذا مع كون أوله سماعا إدراج الباقي عليه من غير إفراد له بلفظ الإجازة. والله أعلم .
الثامن عشر : الظاهر أنه لا يجوز تغيير ( عن النبي ) إلى ( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وكذا بالعكس، وإن جازت الرواية بالمعنى، فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى، والمعنى في هذا مختلف .
وثبت عن أنه رأى أباه إذا كان في الكتاب ( النبي) فقال المحدث: " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ضرب وكتب " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ". عبد الله بن أحمد بن حنبل
وقال : "هذا غير لازم، وإنما استحب الخطيب أبو بكر اتباع المحدث في لفظه، وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك ". ثم ذكر بإسناده عن أحمد قال : قلت لأبي : يكون في الحديث: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فيجعل الإنسان " قال النبي صلى الله عليه وسلم " قال : أرجو أن لا يكون به بأس . صالح بن أحمد بن حنبل،
وذكر بسنده عن الخطيب أنه كان يحدث، وبين يديه حماد بن سلمة عفان، فجعلا يغيران " النبي صلى الله عليه وسلم " من " رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال لهما وبهز، حماد : أما أنتما فلا تفقهان أبدا. والله أعلم .
[ ص: 720 ] [ ص: 721 ] [ ص: 722 ] [ ص: 723 ] [ ص: 724 ]