هذا: وإن يحبه ذكور الرجال وفحولتهم، ويعنى به محققو العلماء وكملتهم، ولا يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم، وهو من أكثر العلوم تولجا في فنونها، لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها؛ ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء، وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء. علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة، وأنفع الفنون النافعة،
ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيما، عظيمة جموع طلبته، رفيعة مقادير حفاظه وحملته. وكانت علومه بحياتهم حية، وأفنان فنونه ببقائهم غضة، ومغانيه بأهله آهلة، فلم يزالوا في انقراض، ولم يزل في اندراس، حتى آضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد، ضعيفة العدد، لا تعنى على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلا، ولا تعنى في تقييده بأكثر من كتابته عطلا، مطرحين علومه التي بها جل قدره، مباعدين معارفه التي بها فخم أمره.
فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلقى له كاشفا، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفا، من الله الكريم تبارك وتعالى علي - وله الحمد - أن أجمع بكتاب معرفة أنواع علوم الحديث هذا الذي باح بأسراره الخفية، وكشف عن مشكلاته الأبية، وأحكم معاقده، وقعد قواعده، وأنار معالمه، وبين أحكامه، وفصل أقسامه، وأوضح أصوله، وشرح فروعه وفصوله، وجمع شتات علومه وفوائده، وقنص شوارد نكته وفوائده.
فالله العظيم الذي بيده الضر والنفع، والإعطاء والمنع، أسأل، وإليه أضرع وأبتهل، متوسلا إليه بكل وسيلة، متشفعا إليه بكل شفيع، أن يجعله مليا بذلك وأملى، وفيا بكل ذلك وأوفى، وأن يعظم الأجر والنفع به في الدارين إنه قريب مجيب. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
[ ص: 205 ]