( فصل ) ( يعتبر ) لصحة ( انقراض العصر ، وهو موت من اعتبر فيه ) من غير رجوع واحد منهم عما أجمعوا عليه عند انعقاد الإجماع رضي الله عنه وأكثر أصحابه . واختاره الإمام أحمد ، ابن فورك وسليم الرازي . ونقله الأستاذ عن الأشعري ، وابن برهان عن المعتزلة ( فيسوغ لهم ) أي لجميع مجتهدي العصر ( ولبعضهم الرجوع ) عما أجمعوا عليه ( لدليل ) يقتضي الرجوع ( ولو عقبه ) أي عقب إجماعهم على الحكم ; لأن الإجماع إنما يستقر بموت من اعتبر فيه . والمعتبر فيه هم المجتهدون فيسوغ لهم ولبعضهم الرجوع قبل استقرار الإجماع . وفي المسألة أقوال [ ص: 234 ] غير ذلك . أحدها : وهو قول الأئمة الثلاثة وأكثر الفقهاء والمتكلمين : أنه لا يعتبر انقراض العصر مطلقا . والقول الثاني : أنه يعتبر انقراض العصر للإجماع السكوتي لضعفه دون غيره . اختاره الآمدي وغيره . ونقل عن الأستاذ . وقال : إنه قول الحذاق من أصحاب أبي منصور البغدادي . وقال الشافعي : هو قول أكثر الأصحاب ، ونقله القاضي أبو الطيب أبو المعالي عن الأستاذ أبي إسحاق واختاره البندنيجي . وجعل سليم الرازي محل الخلاف في غير السكوتي . والقول الثالث : أنه يعتبر انقراض العصر للإجماع القياسي دون غيره . والقول الرابع : أنه يعتبر انقراض العصر إن بقي عدد التواتر . وإن بقي أقل من ذلك لم يكترث بالباقي . وحاصله : أنه إذا مات منهم جمع وبقي منهم عدد التواتر ، ورجعوا أو بعضهم لم ينعقد الإجماع ، وإن بقي منهم دون عدد التواتر ، ورجعوا أو بعضهم لم يؤثر في الإجماع . والقول الخامس : أنه يعتبر انقراض العصر في إجماع الصحابة دون إجماع غيرهم . وحيث لا يعتبر انقراض العصر لا يعتبر تمادي الزمن مطلقا ، بل يكون اتفاقهم حجة بمجرده ، حتى لو رجع بعضهم لا يعتد به ، ويكون خارقا للإجماع . ولو نشأ مخالف لم يعتد بقوله ، بل يكون الإجماع حجة عليه ، ولو ظهر لجميعهم ما يوجب الرجوع فرجعوا كلهم حرم . وكان إجماعهم حجة عليهم وعلى غيرهم ، حتى لو جاء غيرهم مجمعين على خلاف ذلك لم يجز أيضا . وإلا لتصادم الإجماعان . واستدل لاعتبار انقراض العصر : بأن خالف عليا رضي الله عنهما بعد موته في بيع أم الولد . وأن حد الخمر ثمانون ، عمر خالف وعمر رضي الله عنهما في قسمة الفيء . فإن أبا بكر سوى . أبا بكر فضل . وأجيب عن الأول بأنه لا يدل على سبق الإجماع . وقول وعمر عبيدة " رأيك في الجماعة " أي زمن الاجتماع والألفة " أحب إلينا من رأيك وحدك " كيف وقد قال لعلي " بعناهن على زمن النبي صلى الله عليه وسلم جابر ، وشطر من خلافة وأبي بكر " وهو قول عمر . وعن الثاني : أنه خالف السكوتي ، ثم هو فعل . وعن الثالث : بأنه خالف في زمانه . [ ص: 235 ] ابن عباس
واستدل له أيضا : بأنه اجتهاد . فساغ الرجوع ، وإلا منع الاجتهاد الاجتهاد .
أجيب : لا يجوز ; إذ صار الأول قطعيا . واستدل أيضا : بأن المنع من الرجوع يلزم منه إلغاء الخبر الصحيح بتقدير الاطلاع عليه إذا خالف إجماعهم . أجيب لزوم الإلغاء ممنوع ، لتوقفه على تقديره ، وهو بعيد أو ممتنع ، لأن الباري سبحانه وتعالى عصمهم عن الاتفاق على خلاف الخبر الصحيح ، ولو سلم فالإجماع قطعي ، يقدم على الخبر الظني . قال ابن مفلح : رد لأنه بعيد . وقيل : محال للعصمة ، ثم يلزم لو انقرضوا فلا أثر له ، لأن الإجماع قاطع ، ولأنه إن كان عن نص لم يتغير ، وإلا لم يجز نقض اجتهاد بمثله ، لا سيما لقيام الإجماع هنا . واستدل أيضا بأن موت النبي صلى الله عليه وسلم شرط دوام الحكم . فكذا هنا . أجيب : لإمكان نسخه . فيرفع قطعي بمثله .
واستدل لقول الأكثر - الذي هو عدم اعتبار انقراض العصر - بأدلة الإجماع .
وبأنه لو اعتبر امتنع الإجماع للتلاحق . ورد بندرة إدراكه مجتهدا . واستدل أيضا : بأنه لما كان قولهم حجة لم تبطل بموتهم كالرسول صلى الله عليه وسلم . رد بأنه محل النزاع ، وبأن قول الرسول وحي فلم يقس بغيره . وقولهم : عن اجتهاد ( لا عدد تواتر ) يعني : أنه لا يشترط لصحة انعقاد الإجماع أن يبلغ المجمعون عدد التواتر . كما لا يشترط ذلك . في الدليل السمعي ، ونقله ابن برهان عن معظم العلماء ; لأن المقصود اتفاق مجتهدي العصر . وقد حصل ( فلو لم يكن ) في ذلك العصر ( إلا ) مجتهد ( واحد ) ولم يصر مخالف أهلا حتى مات ذلك الواحد ( ف ) قوله ( إجماع ) في ظاهر كلام أصحابنا . قاله ابن مفلح . وعزاه الهندي للأكثرين . قال في الواضح : لو قل عدد الاجتهاد فلم يبق إلا الواحد والاثنان لفتنة أو غيرها استوعبتهم والعياذ بالله تعالى ، كما قل القراء في قتال أهل الردة بكثرة من قتل من المسلمين كان من بقي من المجتهدين مستقلا بالإجماع ولم ينخرم لعدم الكثرة ، وإذا كان هذا العدد القليل يصلح لإثبات أصل الإجماع المقطوع به . فأولى أن يصلح لفك الإجماع واختلاله بمخالفته ابن عقيل