[ تخصيص القرآن بالسنة جائز ]
يوضحه الوجه الثالث عشر : أن جائز كما أجمعت الأمة على تخصيص قوله : { تخصيص القرآن بالسنة وأحل لكم ما وراء ذلكم } بقوله صلى الله عليه وسلم : { } وعموم قوله تعالى : { لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها يوصيكم الله في أولادكم } بقوله صلى الله عليه وسلم : { } وعموم قوله تعالى : { لا يرث المسلم الكافر والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } بقوله صلى الله عليه وسلم : { } ونظائر ذلك كثيرة ; فإذا جاز التخصيص - وهو رفع بعض ما تناوله اللفظ ، وهو نقصان من معناه فلأن تجوز الزيادة التي لا تتضمن رفع شيء من مدلوله ولا نقصانه بطريق الأولى والأحرى . لا قطع في ثمر ولا كثر
الوجه الرابع عشر : أن الزيادة لا توجب رفع المزيد لغة ولا شرعا ولا عرفا ولا عقلا ، ولا تقول العقلاء لمن ازداد خيره أو ماله أو جاهه أو علمه أو ولده إنه قد ارتفع شيء مما في الكيس ، بل تقول في : الوجه الخامس عشر : إن الزيادة قررت حكم المزيد وزادته بيانا وتأكيدا ; فهي كزيادة العلم والهدى والإيمان ، قال تعالى : { وقل رب زدني علما } وقال : { وما [ ص: 229 ] زادهم إلا إيمانا وتسليما } وقال : { وزدناهم هدى } وقال { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } فكذلك زيادة الواجب على الواجب إنما يزيده قوة وتأكيدا وثبوتا ، فإن كانت متصلة به اتصال الجزاء والشرط كان ذلك أقوى له وأثبت وآكد ، ولا ريب أن هذا أقرب إلى المعقول والمنقول والفطرة من جعل الزيادة مبطلة للمزيد عليه ناسخة له .
الوجه السادس عشر : أن الزيادة لم تتضمن النهي عن المزيد ولا المنع منه ، وذلك حقيقة النسخ ، وإذا انتفت حقيقة النسخ استحال ثبوته .
الوجه السابع عشر : أنه لا بد في النسخ من تنافي الناسخ والمنسوخ ، وامتناع اجتماعهما ، والزيادة غير منافية للمزيد عليه ولا اجتماعهما ممتنع .
الوجه الثامن عشر : أن الزيادة لو كانت نسخا لكانت إما نسخا بانفرادها عن المزيد أو بانضمامها إليه ، والقسمان محال ; فلا يكون نسخا : أما الأول فظاهر ; لأنها لا حكم لها بمفردها ألبتة ; فإنها تابعة للمزيد عليه في حكمه ، وأما الثاني فكذلك أيضا ; لأنها إذا كانت ناسخة بانضمامها إلى المزيد كان الشيء ناسخا لنفسه ومبطلا لحقيقته ، وهذا غير معقول ، وأجاب بعضهم عن هذا بأن النسخ يقع على حكم الفعل دون نفسه وصورته ، وهذا الجواب لا يجدي عليهم شيئا ، والإلزام قائم بعينه ; فإنه يوجب أن يكون المزيد عليه قد نسخ حكم نفسه وجعل نفسه إذا انفرد عن الزيادة غير مجزئ بعد أن كان مجزئا .
الوجه التاسع عشر : أن النقصان من العبادة لا يكون نسخا لما بقي منها ، فكذلك الزيادة عليها لا تكون نسخا لها ، بل أولى ; لما تقدم .
الوجه العشرون : أن نسخ الزيادة للمزيد عليه : إما أن يكون نسخا لوجوبه أو لإجزائه ، أو لعدم وجوب غيره ، أو لأمر رابع ، وهذا كزيادة التغريب مثلا على المائة جلدة ، لا يجوز أن تكون ناسخة لوجوبها فإن الوجوب بحاله ، ولا لإجزائها ; لأنها مجزئة عن نفسها ، ولا لعدم وجوب الزائد لأنه رفع لحكم عقلي وهو البراءة الأصلية ; فلو كان رفعها نسخا كان كلما أوجب الله شيئا بعد الشهادتين قد نسخ به ما قبله ، والأمر الرابع غير متصور ولا معقول فلا يحكم عليه .
فإن قيل : بل ههنا أمر رابع معقول ، وهو الاقتصار على الأول ; فإنه نسخ بالزيادة ، وهذا غير الأقسام الثلاثة . [ ص: 230 ]
فالجواب أنه لا معنى للاقتصار غير عدم وجوب غيره ، وكونه جميع الواجب ، وهذا هو القسم الثالث بعينه غيرتم التعبير عنه وكسوتموه عبارة أخرى .
الوجه الحادي والعشرون : أن الناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد يقتضي المنسوخ ثبوته والناسخ رفعه ، أو بالعكس ، وهذا غير متحقق في الزيادة على النص .
الوجه الثاني والعشرون : أن كل واحد من الزائد والمزيد عليه دليل قائم بنفسه مستقل بإفادة حكمه ، وقد أمكن العمل بالدليلين ; فلا يجوز إلغاء أحدهما وإبطاله وإلقاء الحرب بينه وبين شقيقه وصاحبه ; فإن كل ما جاء من عند الله فهو حق يجب اتباعه والعمل به ، ولا يجوز إلغاؤه وإبطاله إلا حيث أبطله الله ورسوله بنص آخر ناسخ له لا يمكن الجمع بينه وبين المنسوخ ، وهذا بحمد الله منتف في مسألتنا ; فإن العمل بالدليلين ممكن ، ولا تعارض بينهما ولا تناقض بوجه ; فلا يسوغ لنا إلغاء ما اعتبره الله ورسوله ، كما لا يسوغ لنا اعتبار ما ألغاه ، وبالله التوفيق .
الوجه الثالث والعشرون : أنه إن كان القضاء بالشاهد واليمين ناسخا للقرآن وإثبات التغريب ناسخا للقرآن فالوضوء بالنبيذ أيضا ناسخ للقرآن ، ولا فرق بينهما ألبتة ، بل القضاء بالنكول ومعاقد القمط يكون ناسخا للقرآن ، وحينئذ فنسخ كتاب الله بالسنة الصحيحة الصريحة التي لا مطعن فيها أولى من نسخه بالرأي والقياس والحديث الذي لا يثبت ، وإن لم يكن ناسخا للقرآن لم يكن هذا نسخا له ، وأما أن يكون هذا نسخا وذاك ليس بنسخ فتحكم باطل وتفريق بين متماثلين .
الوجه الرابع والعشرون : أن ما خالفتموه من الأحاديث التي زعمتم أنها زيادة على نص القرآن إن كانت تستلزم نسخه فقطع رجل السارق في المرة الثانية نسخ ; لأنه زيادة على القرآن ، وإن لم يكن هذا نسخا فليس ذلك نسخا .
الوجه الخامس والعشرون : أنكم قلتم لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم ، وذلك زيادة على ما في القرآن ; فإن الله سبحانه أباح استحلال البضع بكل ما يسمى مالا ، وذلك يتناول القليل والكثير ، فزدتم على القرآن بقياس في غاية الضعف ، وبخبر في غاية البطلان ; فإن جاز نسخ القرآن بذلك فلم لا يجوز نسخه بالسنة الصحيحة الصريحة ؟ وإن كان هذا ليس بنسخ لم يكن الآخر نسخا .
الوجه السادس والعشرون : أنكم أوجبتم الطهارة للطواف بقوله : { } وذلك زيادة على القرآن ; فإن الله إنما أمر بالطواف ولم يأمر بالطهارة ، فكيف لم تجعلوا ذلك نسخا للقرآن وجعلتم القضاء بالشاهد واليمين والتغريب في حد الزنا نسخا للقرآن ؟ الوجه السابع والعشرون : أنكم مع الناس أوجبتم الاستبراء في جواز وطء المسبية بحديث - ورد - زائد على كتاب الله ، ولم تجعلوا ذلك نسخا له ، وهو الصواب بلا شك ، فهلا فعلتم ذلك في سائر الأحاديث الزائدة على القرآن ؟ الوجه الثامن والعشرون : أنكم وافقتم على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها بخبر الواحد ، وهو زائد على كتاب الله تعالى قطعا ، ولم يكن ذلك نسخا ، فهلا فعلتم ذلك في خبر القضاء بالشاهد واليمين والتغريب ولم تعدوه نسخا ؟ وكل ما تقولونه في محل الوفاق يقوله لكم منازعوكم في محل النزاع حرفا بحرف . الطواف بالبيت [ ص: 231 ] صلاة
الوجه التاسع والعشرون : أنكم قلتم : لا يفطر المسافر ولا يقصر في أقل من ثلاثة أيام ، والله تعالى قال : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } وهذا يتناول الثلاثة وما دونها ، فأخذتم بقياس ضعيف أو أثر لا يثبت في التحديد بالثلاث ، وهو زيادة على القرآن ، ولم تجعلوا ذلك نسخا ، فكذلك الباقي .
الوجه الثلاثون : أنكم منعتم قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد من الأموال مع أنه سارق حقيقة ولغة وشرعا ; لقوله : { } ولا يجعلوا ذلك نسخا للقرآن وهو زائد عليه . لا قطع في ثمر ولا كثر
الوجه الحادي والثلاثون : أنكم رددتم السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على العمامة ، وقلتم : إنها زائدة على نص الكتاب فتكون ناسخة له فلا تقبل ، ثم ناقضتم فأخذتم بأحاديث المسح على الخفين وهي زائدة على القرآن ، ولا فرق بينهما ، واعتذرتم بالفرق بأن أحاديث المسح على الخفين متواترة بخلاف المسح على العمامة ، وهو اعتذار فاسد ، فإن من له اطلاع على الحديث لا يشك في شهرة كل منها وتعدد طرقها واختلاف مخارجها وثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا .
الوجه الثاني والثلاثون : أنكم قبلتم شهادة المرأة الواحدة على الرضاع والولادة وعيوب النساء ، مع أنه زائد على ما في القرآن ، ولم يصح الحديث به صحته بالشاهد واليمين ، ورددتم هذا ونحوه بأنه زائد على القرآن .
الوجه الثالث والثلاثون : أنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه لا يحرم [ ص: 232 ] أقل من خمس رضعات ، ولا تحرم الرضعة والرضعتان ، وقلتم : هي زائدة على القرآن ، ثم أخذتم بخبر لا يصح بوجه ما في أنه لا قطع في أقل من عشرة دراهم أو ما يساويها ، ولم تروه زيادة على القرآن ، وقلتم : هذا بيان للفظ السارق ; فإنه مجمل والرسول بينه بقوله : { } فيا لله العجب ، كيف كان هذا بيانا ولم يكن حديث التحريم بخمس رضعات بيانا لمجمل قوله : { لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } ولا تأتون بعذر في آية القطع إلا كان مثله أو أولى منه في آية الرضاع سواء بسواء .
الوجه الرابع والثلاثون : أنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح على الجوربين ، وقلتم : هي زائدة على القرآن ، وجوزتم الوضوء بالخمر المحرمة من نبيذ التمر المسكر بخبر لا يثبت وهو خلاف القرآن .
الوجه الخامس والثلاثون : أنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصوم عن الميت والحج عنه ، وقلتم : هو زائد على قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ثم جوزتم أن تعمل أعمال الحج كلها عن المغمى عليه ، ولم تروه زائدا على قوله : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وأخذتم بالسنة الصحيحة وأصبتم في حمل العاقلة الدية عن القاتل خطأ ولم تقولوا هو زائد على قوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } واعتذاركم بأن الإجماع ألجأكم إلى ذلك لا يفيد ; لأن - وهو من فقهاء التابعين - يرى أن الدية على القاتل ، وليس على العاقلة منها شيء ، ثم هذا حجة عليكم أن تجمع الأمة على الأخذ بالخبر وإن كان زائدا على القرآن . عثمان البتي
الوجه السادس والثلاثون : أنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اشتراط المحرم أن يحل حيث حبس ، وقلتم : هو زائد على القرآن ، فإن الله أمر بإتمام الحج والعمرة ، والإحلال خلاف الإتمام ، ثم أخذتم وأصبتم بحديث تحريم لبن الفحل ، وهو زائد على ما في القرآن قطعا .
الوجه السابع والثلاثون : ردكم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء من مس الفرج وأكل لحوم الإبل ، وقلتم : ذلك زيادة على القرآن ; لأن الله تعالى إنما ذكر الغائط ، ثم أخذتم بحديث ضعيف في إيجاب الوضوء من القهقهة وخبر ضعيف في إيجابه من القيء ، ولم يكن إذ ذاك زائدا على ما في القرآن إذ هو قول متبوعكم ; فمن العجب إذا قال من قلدتموه قولا زائدا على ما في القرآن قبلتموه وقلتم : ما قاله إلا بدليل ، وسهل عليكم [ ص: 233 ] مخالفة ظاهر القرآن حينئذ ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا زائدا على ما في القرآن قلتم : هذا زيادة على النص ، وهو نسخ ، والقرآن لا ينسخ بالسنة ، فلم تأخذوا به ، واستصعبتم خلاف ظاهر القرآن ، فهان خلافه إذا وافق قول من قلدتموه ، وصعب خلافه إذا وافق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الوجه الثامن والثلاثون : أنكم أخذتم بخبر ضعيف لا يثبت في إيجاب المضمضة والاستنشاق في الغسل من الجنابة ، ولم تروه زائدا على القرآن ، ورددتم السنة الصحيحة الصريحة في أمر المتوضئ بالاستنشاق ، وقلتم : هو زائد على القرآن ، فهاتوا لنا الفرق بين ما يقبل من السنن الصحيحة ، وما رد منها ، فإما أن تقبلوها كلها ، وإن زادت على القرآن ، وإما أن تردوها كلها إذا كانت زائدة على القرآن ، وأما التحكم في قبول ما شئتم منها ورد ما شئتم منها ، فما لم يأذن به الله ولا رسوله ، ونحن نشهد الله شهادة يسألنا عنها يوم نلقاه أنا لا نرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة واحدة صحيحة أبدا إلا بسنة صحيحة مثلها نعلم أنها ناسخة لها .
الوجه التاسع والثلاثون : أنكم رددتم السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسم للبكر سبعا يفضلها بها على من عنده من النساء وللثيب ثلاثا إذا أعرس بهما وقلتم : هذا زائد على العدل المأمور به في القرآن ومخالف له ، فلو قبلناه كنا قد نسخنا به القرآن ، ثم أخذتم بقياس فاسد واه لا يصح في جواز نكاح الأمة لواجد الطول غير خائف العنت إذا لم تكن تحته حرة ، وهو خلاف ظاهر القرآن وزائد عليه قطعا .
الوجه الأربعون : ردكم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط نفقة المبتوتة وسكناها ، وقلتم : هو مخالف للقرآن ، فلو قبلناه كان نسخا للقرآن به ، ثم أخذتم بخبر ضعيف لا يصح أن عدة الأمة قرءان وطلاقها طلقتان مع كونه زائدا على ما في القرآن قطعا .
الوجه الحادي والأربعون : ردكم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخيير ولي الدم بين الدية أو القود أو العفو بقولكم : إنها زائدة على ما في القرآن ، ثم أخذتم بقياس من أفسد القياس أنه لو ضربه بأعظم دبوس يوجد حتى ينثر دماغه على الأرض فلا قود عليه ، ولم تروا ذلك مخالفا لظاهر القرآن ، والله تعالى يقول : { النفس بالنفس } ويقول : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } .
الوجه الثاني والأربعون : أنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : { } وقوله : { لا يقتل مسلم بكافر } وقلتم : هذا خلاف ظاهر القرآن ; لأن الله تعالى يقول : { المؤمنون تتكافأ دماؤهم النفس بالنفس } وأخذتم بخبر لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه [ ص: 234 ] { } وهو مخالف لظاهر القرآن ; فإنه سبحانه قال : { لا قود إلا بالسيف وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقال : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } .
الوجه الثالث والأربعون : أنكم أخذتم بخبر لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه { } وهو مخالف لظاهر القرآن قطعا وزائدة عليه ، ورددتم الخبر الصحيح الذي لا شك في صحته عند أحد من أهل العلم في أن كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا ، وقلتم : هو خلاف ظاهر القرآن في وجوب الوفاء بالعقد . لا جمعة إلا في مصر جامع
الوجه الرابع والأربعون : أنكم أخذتم بخبر ضعيف { } وهو زائد على القرآن ، وعديتموه إلى سقوط الحدود على من فعل أسبابها في دار الحرب ، وتركتم الخبر الصحيح الذي لا ريب في صحته في المصراة ، وقلتم : هو خلاف ظاهر القرآن من عدة أوجه . لا تقطع الأيدي في الغزو
الوجه الخامس والأربعون : أنكم أخذتم بخبر ضعيف - بل باطل - في أنه لا يؤكل الطافي من السمك ، وهو خلاف ظاهر القرآن ; إذ يقول تعالى : { أحل لكم صيد البحر وطعامه } فصيده ما صيد منه حيا وطعامه قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو ما مات فيه ، صح ذلك عن الصديق وغيرهما ، ثم تركتم الخبر الصحيح المصرح بأن ميتته حلال مع موافقته لظاهر القرآن . وابن عباس
الوجه السادس والأربعون : أنكم أخذتم وأصبتم بحديث تحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ، وهو زائد على ما في القرآن ، ولم تروه ناسخا ، ثم تركتم حديث حل لحوم الخيل الصحيح الصريح ، وقلتم : هو مخالف لما في القرآن زائد عليه ، وليس كذلك .
الوجه السابع والأربعون : أنكم أخذتم بحديث المنع من توريث القاتل مع أنه زائد على القرآن ، وحديث عدم القود على قاتل ولده وهو زائد على ما في القرآن ، مع أن الحديثين ليسا في الصحة بذاك ، وتركتم الأخذ بحديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم لصفية وجعل عتقها صداقها فصارت بذلك زوجة ، وقلتم : هذا خلاف ظاهر القرآن ، والحديث في غاية الصحة .
الوجه الثامن والأربعون : أنكم أخذتم بالحديث الضعيف الزائد على ما في القرآن ، وهو { } فقلتم : هذا يدل على وقوع طلاق المكره [ ص: 235 ] والسكران ، وتركتم السنة الصحيحة التي لا ريب في صحتها فيمن وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به ، وقلتم : هو خلاف ظاهر القرآن بقوله : { كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } والعجب أن ظاهر القرآن مع الحديث متوافقان متطابقان ; فإن منع البائع من الوصول إلى الثمن وإلى عين ماله إطعام له بالباطل الغرماء ; فخالفتم ظاهر القرآن مع السنة الصحيحة الصريحة .
الوجه التاسع والأربعون : أنكم أخذتم بالحديث الضعيف وهو { } ولم تقولوا : هو زائد على القرآن في قوله : { من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وتركتم الحديث الصحيح في بقاء الإحرام بعد الموت وأنه لا ينقطع به ، وقلتم : هو خلاف ظاهر القرآن في قوله : { هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } وخلاف ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : { } . إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث
الوجه الخمسون : رد السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب الموالاة ، حيث أمر الذي بأن يعيد الوضوء والصلاة ، وقالوا : هو زائد على كتاب الله ، ثم أخذوا بالحديث الضعيف الزائد على كتاب الله في أن { ترك لمعة من قدمه } . أقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة
الوجه الحادي والخمسون : رد الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه { } ، وأن من أنكحت نفسها فنكاحها باطل ، وقالوا : هو زائد على كتاب الله ; فإن الله تعالى يقول : { لا نكاح إلا بولي فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } وقال : { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } ثم أخذوا بالحديث الضعيف الزائد على القرآن قطعا في اشتراط الشهادة في صحة النكاح . والعجب أنهم استدلوا على ذلك بقوله : { } ثم قالوا : لا يفتقر إلى حضور الولي ولا عدالة الشاهدين . لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل
فهذا طرف من بيان تناقض من رد السنن بكونها زائدة على القرآن فتكون ناسخة فلا تقبل .
الوجه الثاني والخمسون : أنكم تجوزون الذي أحسن أحواله أن يكون للأمة فيه قولان : أحدهما أنه باطل مناف للدين ، والثاني أنه صحيح مؤخر عن الكتاب والسنة ; فهو في المرتبة الأخيرة ، ولا تختلفون في جواز إثبات حكم زائد على القرآن به ، فهلا قلتم : إن ذلك يتضمن الزيادة على القرآن بالقياس . [ ص: 236 ] فإن قيل : قد دل القرآن على صحة القياس واعتباره وإثبات الأحكام به ، فما خرجنا عن موجب القرآن ، ولا زدنا على ما في القرآن إلا بما دلنا عليه القرآن . نسخ الكتاب بالقياس
قيل : فهلا قلتم مثل هذا سواء في السنة الزائدة على القرآن ، وكان قولكم ذلك في السنة أسعد وأصلح من القياس الذي هو محل آراء المجتهدين وعرضة للخطأ ، بخلاف قول من ضمنت لنا العصمة في أقواله ، وفرض الله علينا اتباعه وطاعته .
فإن قيل : القياس بيان لمراد الله ورسوله من النصوص ، وأنه أريد بها إثبات الحكم في المذكور في نظيره ، وليس ذلك زائدا على القرآن ، بل تفسير له وتبيين .
قيل : فهلا قلتم : إن السنة بيان لمراد الله من القرآن ، تفصيلا لما أجمله ، وتبيينا لما سكت عنه ، وتفسيرا لما أبهمه ، فإن الله سبحانه أمر بالعدل والإحسان والبر والتقوى ، ونهى عن الظلم والفواحش والعدوان والإثم ، وأباح لنا الطيبات ، وحرم علينا الخبائث ; فكل ما جاءت به السنة فإنها تفصيل لهذا المأمور به والمنهي عنه ، والذي أحل لنا هو الذي حرم علينا .
وهذا تبيين بالمثال التاسع عشر : وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في حديث أن يعدل بين الأولاد في العطية فقال { النعمان بن بشير } . وفي الحديث : { اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم } فسماه جورا ، وقال { إني لا أشهد على جور إن هذا لا يصلح } وقال { } تهديدا له ، وإلا فمن الذي يطيب قلبه من المسلمين أن يشهد على ما حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه جور وأنه لا يصلح وأنه على خلاف تقوى الله وأنه خلاف العدل ؟ وهذا الحديث من تفاصيل العدل الذي أمر الله به في كتابه ، وقامت به السماوات والأرض ، وأسست عليه الشريعة ; فهو أشد موافقة للقرآن من كل قياس على وجه الأرض ، وهو محكم الدلالة غاية الإحكام ، فرد بالمتشابه من قوله { أشهد على هذا غيري } فكونه أحق به يقتضي جواز تصرفه فيه كما يشاء وبقياس متشابه على إعطاء الأجانب ، ومن المعلوم بالضرورة أن هذا المتشابه من العموم ، والقياس لا يقاوم هذا المحكم المبين غاية البيان . كل أحد أحق بماله من ولده ، ووالده والناس أجمعين