فصل :
[ إبطال حيل لتجويز العينة ] : ومن الحيل المحرمة الباطلة ، مع أنها حيلة في نفسها على الربا ، وجمهور الأئمة على تحريمها . التحيل على جواز مسألة العينة
وقد ذكر أرباب الحيل لاستباحتها عدة حيل ، منها : أن يحدث المشتري في السلعة حدثا ما تنقص به أو تتعيب ; فحينئذ يجوز لبائعها أن يشتريها بأقل مما باعها ، ومنها : أن تكون السلعة قابلة للتجزؤ فيمسك منها جزءا ما ويبيعه بقيتها ، ومنها : أن يضم البائع إلى السلعة سكينا أو منديلا أو حلقة حديدا أو نحو ذلك ، فيملكه المشتري ويبيعه السلعة بما يتفقان عليه من الثمن ، ومنها : أن يهبها المشتري لولده أو زوجته أو من يثق به ، فيبيعها [ ص: 251 ] الموهوب له من بائعها ، فإذا قبض الثمن أعطاه للواهب ، ومنها : أن يبيعه إياها نفسه من غير إحداث شيء ولا هبة لغيره ، لكن يضم إلى ثمنها خاتما من حديد أو منديلا أو سكينا ونحو ذلك .
ولا ريب أن العينة على وجهها أسهل من هذا التكلف ، وأقل مفسدة ، وإن كان الشارع قد حرم مسألة العينة لمفسدة فيها فإن المفسدة لا تزول بهذه الحيلة ، بل هي بحالها ، وانضم إليها مفسدة أخرى أعظم منها ، وهي مفسدة المكر والخداع واتخاذ أحكام الله هزوا وهي أعظم المفسدتين .
وكذلك سائر الحيل ، لا تزيل المفسدة التي حرم لأجلها ، وإنما يضم إليها مفسدة الخداع والمكر ، وإن كانت العينة لا مفسدة فيها فلا حاجة إلى الاحتيال عليها . ثم إن العينة في نفسها من أدنى الحيل إلى الربا ، فإذا تحيل عليها المحتال صارت حيلا متضاعفة ، ومفاسد متنوعة ، والحقيقة والقصد معلومان لله وللملائكة وللمتعاقدين ولمن حضرهما من الناس ، فليضع أرباب الحيل ما شاءوا ، وليسلكوا أية طريق سلكوا ; فإنهم لا يخرجون بذلك عن بيع مائة بمائة وخمسين إلى سنة ، فليدخلوا محلل الربا أو يخرجوه فليس هو المقصود ، والمقصود معلوم ، والله لا يخادع ولا تروج عليه الحيل ولا تلبس عليه الأمور .