[ ص: 267 ] ] المثال السابع : إذا خاصمته امرأته وقالت : قل " كل جارية أشتريها فهي حرة ، وكل امرأة أتزوجها فهي طالق " فالحيلة في خلاصه أن يقول ذلك ويعني بالجارية السفينة لقوله : { تزوج المرأة بشرط ألا يتزوج عليها إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية } ويمسك بيده حصاة أو خرقة ويقول : " فهي طالق " فيرد الكناية إليها ، فإن تفقهت عليه الزوجة وقالت : قل : " كل رقيقة أو أمة " فليقل ذلك وليعن فهي حرة الخصال غير فاجرة ، فإنه لو قال ذلك لم تعتق كما لو قال له رجل : " غلامك فاجر زان " فقال : ما أعرفه إلا حرا عفيفا ، ولم يرد العتق ، لم يعتق .
وإن تفقهت عليه وقالت : قل : " فهي عتيقة " فليقل ذلك ولينو ضد الجديدة ، أي عتيقة في الرق ، فإن تفقهت وقالت : قل : " فهي معتوقة " و : " قد أعتقتها إن ملكتها " فليرد الكناية إلى حصاة في يده أو خرقة ، فإن لم تدعه أن يمسك شيئا فليردها إلى نفسه ، ويعني أن قد أعتقها من النار بالإسلام ، أو فهي حرة ليست رقيقة لأحد ، ويجعل الكلام جملتين ، فإن حضرته وقالت : قل : " فالجارية التي أشتريها معتوقة " فليقيد ذلك بزمن معين ، أو مكان معين في نيته ، ولا يحنث بغيره ، فإن حضرته وقالت : من غير تورية ولا كناية ولا نية تخالف قولي ، وهذا آخر التشديد ، فلا يمنعه ذلك من التورية والكناية .
وإن قال بلسانه : " لا أوري ولا أكني " والتورية والكناية في قلبه ، كما لو قال : " لا أستثني " بلسانه ومن نيته الاستثناء ، ثم استثنى فإنه ينفعه ، حتى لو لم ينو الاستثناء ثم عزم عليه واستثنى نفعه ذلك بالسنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بوجه في غير حديث ، كقول الملك لسليمان : قل إن شاء الله ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { } بعد أن ذكره به إلا الإذخر ، وقوله : { العباس إن شاء الله } بعد أن قال : { قريشا ، ثلاث مرات } ثم قال بعد الثالثة وسكوته : { لأغزون إن شاء الله } .
والقرآن صريح في نفع الاستثناء إذا نسيه ولم ينوه في أول كلامه ولا أثناءه في قوله تعالى : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت } ، وهذا إما أن يختص بالاستثناء إذا نسيه كما فسره به جمهور المفسرين ، أو يعمه ويعم غيره وهو الصواب ; فأما أن يخرج منه الاستثناء الذي سيق الكلام لأجله ويرد إلى غيره فلا يجوز ، ولأن الكلام الواحد لا يعتبر في صحته نية كل جملة من جمله وبعض من أبعاضه ; فالنص والقياس يقتضي نفع الاستثناء ، وإن خطر له بعد انقضاء الكلام ، وهذا هو الصواب المقطوع به .