المثال الثاني بعد المائة : فالحيلة له أن يواطئ رجلا يدعي عليه بالمال الذي له على فلان عند حاكم ، فيقر له به ، ويصح إقراره بالدين الذي له على الغير ، فإنه قد يكون المال مضاربة فيصير ديونا على الناس ، فلو لم يصح إقراره به له لضاع ماله . إذا كان له عليه مال حال فأبى أن يقر له به حتى يصالحه على بعضه أو يؤجله ، ولا بينة له ، فأراد حيلة يتوسل بها إلى أخذ ماله كله حالا ، ويبطل الصلح والتأجيل
وأما قول أبي عبد الله بن أحمد إن في الرعاية ولو قال : ديني الذي على زيد لعمرو احتمل الصحة ، والبطلان أظهر ; فهذا إنما هو فيما إذا أضاف الدين إليه ثم قال : هو لعمرو ، فيصير نظير ما لو قال : ملكي كله لعمرو ، أو داري هذه له ، فإن هذا لا يصح إقرارا على أحد الوجهين للتناقض ويصح هبة ، فأما إذا قال : " هذا الدين الذي على زيد لعمرو يستحقه دوني " صح ذلك قولا واحدا ، كما لو قال " : هذه الدار له ، أو هذا الثوب له " على أن الصحيح صحة الإقرار ، ولو أضاف الدين أو العين إلى نفسه ، ولا تناقض ; لأن الإضافة تصدق مع كونه ملكا للمقر له .
فإنه يصح أن يقال : هذه دار فلان ، إذا كان ساكنها بالأجرة ، ويقول المضارب : ديني على فلان ، وهذا الدين لفلان ، يعني أنه يستحق المطالبة به ، والمخاصمة فيه ، فالإضافة تصدق بدون هذا ، ثم يأتي صاحب المال إلى من هو في ذمته فيصالحه على بعضه أو يؤجله ثم يجيء المقر له فيدعي على من عليه المال بجملته حالا ، فإذا أظهر كتاب الصلح والتأجيل قال المقر له : هذا باطل ، فإنه تصرف فيما لا يملك المصالح ، فإن كان الغريم إنما أقر باستحقاق غريمه الدين مؤجلا أو بذلك القدر منه فقط بطلت هذه الحيلة .