[ ص: 136 ] وتحت قوله : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } كنز عظيم من وفق لمظنته وأحسن استخراجه واقتناءه وأنفق منه فقد غنم ، ومن حرمه فقد حرم ، وذلك أن العبد لا يستغني عن له طرفة عين فإن لم يثبته وإلا زالت سماء إيمانه وأرضه عن مكانهما ، وقد قال تعالى لأكرم خلقه عليه عبده ورسوله : { تثبيت الله ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا } وقال تعالى لأكرم خلقه : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا } وفي الصحيحين من حديث البجلي قال : { وهو يسألهم ويثبتهم } وقال تعالى لرسوله : { وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك } فالخلق كلهم قسمان : موفق بالتثبيت ، ومخذول بترك التثبيت ، ومادة التثبيت أصله ومنشؤه من القول الثابت وفعل ما أمر به العبد ، فبهما يثبت الله عبده ، فكل من كان أثبت قولا وأحسن فعلا كان أعظم تثبيتا ، قال تعالى : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } فأثبت الناس قلبا أثبتهم قولا ، والقول الثابت هو القول الحق والصدق ، وهو ضد القول الباطل الكذب ; فالقول نوعان : ثابت له حقيقة ، وباطل لا حقيقة له ، وأثبت القول كلمة التوحيد ولوازمها ، فهي أعظم ما يثبت الله بها عبده في الدنيا والآخرة ; ولهذا ترى الصادق من أثبت الناس وأشجعهم قلبا ، والكاذب من أمهن الناس وأخبثهم وأكثرهم تلوثا وأقلهم ثباتا ، وأهل الفراسة يعرفون صدق الصادق من ثبات قلبه وقت الإخبار وشجاعته ومهابته ، ويعرفون كذب الكاذب بضد ذلك ; ولا يخفى ذلك إلا على ضعيف البصيرة .
وسئل بعضهم عن كلام سمعه من متكلم به ، فقال : والله ما فهمت منه شيئا ، إلا أني رأيت لكلامه صولة ليست بصولة مبطل ، فما منح العبد منحة أفضل من منحة القول الثابت ، ويجد أهل القول الثابت ثمرته أحوج ما يكونون إليه في قبورهم ويوم معادهم ، كما في صحيح من حديث مسلم { البراء بن عازب } . عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر