[ ] الفائدة الخامسة والثلاثون : الفتيا أوسع من الحكم والشهادة ، فيجوز فتيا العبد والحر ، والمرأة والرجل ، والقريب والبعيد والأجنبي ، والأمي والقارئ ، والأخرس بكتابته والناطق ، والعدو والصديق ، وفيه وجه أنه لا تقبل فتيا العدو ولا من لا تقبل شهادته له كالشهادة ، والوجهان في الفتيا كالوجهين في الحكم ، وإن كان الخلاف في الحاكم أشهر ، وأما فتيا الفاسق فإن أفتى غيره لم تقبل فتواه ، وليس للمستفتي أن يستفتيه ، وله أن يعمل بفتوى نفسه ، ولا يجب عليه أن يفتي غيره ، وفي جواز استفتاء مستور الحال وجهان ، والصواب جواز استفتائه وإفتائه . من تجوز له الفتيا ومن لا تجوز له
قلت : وكذلك الفاسق إلا أن يكون معلنا بفسقه داعيا إلى بدعته ، فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته ، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز ; فالواجب شيء والواقع شيء والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب بحسب استطاعته ، لا من يلقى العداوة بين الواجب والواقع ، فلكل زمان حكم ، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم ، وإذا عم الفسوق وغلب على أهل الأرض فلو منعت إمامة الفساق وشهاداتهم وأحكامهم وفتاويهم وولاياتهم لعطلت الأحكام ، وفسد نظام الخلق ، وبطلت أكثر الحقوق ، ومع هذا فالواجب اعتبار الأصلح فالأصلح ، وهذا عند القدرة والاختيار ، وأما عند الضرورة والغلبة بالباطل فليس إلا الاصطبار ، والقيام بأضعف مراتب الإنكار .