[ ] الفائدة السادسة والثلاثون : هل يجوز للقاضي أن يفتي ؟ ، ووجوبها إذا تعينت ، ولم يزل أمر السلف والخلف على هذا فإن منصب الفتيا داخل في ضمن منصب القضاء عند الجمهور ، والذين لا يجوزون قضاء الجاهل فالقاضي مفت ومثبت ومنفذ لما أفتى به ، وذهب بعض الفقهاء من أصحاب الإمام ( لا فرق بين القاضي وغيره في جواز الإفتاء بما تجوز الفتيا به ) أحمد إلى أنه يكره للقاضي أن يفتي في مسائل الأحكام المتعلقة به ، دون الطهارة والصلاة والزكاة ونحوها ، واحتج أرباب هذا القول بأن فتياه تصير كالحكم منه على الخصم ، ولا يمكن نقضه وقت المحاكمة ، قالوا : ولأنه قد يتغير اجتهاده وقت الحكومة أو تظهر له قرائن لم تظهر له عند الإفتاء ، فإن أصر على فتياه والحكم بموجبها حكم بخلاف ما يعتقد صحته ، [ ص: 170 ] وإن حكم بخلافها طرق الخصم إلى تهمته والتشنيع عليه بأنه يحكم بخلاف ما يعتقده ويفتي به ، ولهذا قال والشافعي : أنا أقضي لكم ولا أفتي ، حكاه شريح ، واختار كراهية الفتوى في مسائل الأحكام ، وقال ابن المنذر : لأصحابنا في فتواه في مسائل الأحكام جوابان ، أحدهما : أنه ليس له أن يفتي فيها ; لأن لكلام الناس عليه مجالا ولأحد الخصمين عليه مقالا ، والثاني : له ذلك ; لأنه أهل له . الشيخ أبو حامد الإسفراييني