[ النسخ في الوعد والوعيد    ] 
الثالث : النسخ في الوعد والوعيد ، نقل  أبو الحسين  في المعتمد عن شيوخ المعتزلة  منع النسخ فيهما . وأما عندنا فكذلك في الوعد لأنه إخلاف ، والخلف في الإنعام مستحيل على الله ، وبه صرح الصيرفي  في كتابه . وأما الوعيد كآخر البقرة فنسخه جائز كما قاله ابن السمعاني    . قال : ولا يعد ذلك خلفا ، بل عفوا وكرما . وظاهر كلام ابن القطان  السابق جواز نسخهما . 
وذكر بعضهم أن منشأ الخلاف أن الوعيد هل هو خبر محض ؟ أو هو مع ذلك إنشاء ؟ كصيغ العقود التي تقبل النسخ ، لكونه إخبارا عن إرادة المتوعد وعزمه ؟ كالخبر عن الأمر والنهي المتضمن خبره عن طلبه المتضمن إرادته الشرعية . وفي صحيح  مسلم    { لما نزل قوله تعالى : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله    } عظم ذلك ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا : سمعنا وأطعنا ، فلما ذلت بها ألسنتهم ، نسخها الله بقوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها    }   } .  [ ص: 249 ] 
قال  البيهقي    : وهذا النص بمعنى التخصيص ، فإن الآية الأولى وردت مورد العموم ، فبينتها التي بعدها : أن مما لا يخفى لا يؤاخذ به ، وهو حديث النفس الذي لا يستطيع العبد دفعه عن قلبه . قال : وكثير من المتقدمين كانوا يطلقون عليه اسم النسخ على الاتساع ، بمعنى أنه لولا الآية الثانية لكان مؤاخذا بجميع ذلك . قال : ويحتمل أن يكون هذا خبرا مضمنا لحكم ، وكأنه حكم بمؤاخذة عباده بجميع ذلك وتعبدهم به ، فلما قابلوه بالطاعة خفف عنهم ، ووضع عنهم حديث النفس ، فيكون قوله : { يحاسبكم به الله    } خبرا مضمنا لحكم ، أي محاسبكم به . وهذا كقوله : { إن يكن منكم عشرون صابرون    } الآية . قال : وهذا كتبته من جملة كلام  الشيخ أبي بكر الإسماعيلي    .  [ ص: 250 ] قال : وقال  الخطابي    : النسخ لا يجري فيما أخبر الله عنه أنه كان ، وأنه فعل ذلك فيما مضى ، لئلا يؤدي إلى الكذب والخلف ، ويجري عند بعضهم فيما أخبر أنه يفعله ، لجواز تعليقه بشرط ، بخلاف إخباره عما فعله ، فإنه لا يجوز دخول الشرط فيه وهذا أصح الوجوه ، وعليه تأول  ابن عمر  الآية ، ويجري ذلك مجرى العفو والتخفيف . وليس بخلف . وقال الصيرفي    : فإن سبب على أحدنا إدخال الوعيد في باب الأخبار فقد وهم ، لأن الله قد أخبر أنه يغفر ما دون الشرك إن شاء . 
وقال  القرطبي    : أما الوعيد والوعد ، فلما كانا معلقين على ما يجوز النسخ والتبديل جاز نسخهما . نعم ، قد ورد في الشرع أخبار ظاهرها الإطلاق ، وقيدت في مواضع أخرى كقوله : { أجيب دعوة الداع إذا دعان    } . فقد جاء تقييده بقوله : { فيكشف ما تدعون إليه إن شاء    } ونحوه . فقد يظن من لا بصيرة له أن هذا من باب النسخ في الأخبار وليس كذلك ، بل هو من باب الإطلاق والتقييد . 
وقال ابن حاتم الأزدي  في " اللامع " : وأما الأوقات فلا تنسخ ، لأنها لا تدخل تحت قدرة العباد . وقال شارحه : وهذا صحيح ، وإنما نؤمر أن نوقع أفعالنا في أوقات تعين لها . . 
				
						
						
