( الفرق السادس والمائة بين قاعدة العروض تحمل على القنية حتى ينوي التجارة وقاعدة ما كان أصله منها للتجارة )
هاتان قاعدتان في المذهب مختلفتان ينبغي بيان الفرق بينهما والسر فيهما فوقع في المدونة إذا لمالك ، أو ارتجع من مفلس سلعة ، أو أخذ من غريمه عبدا في دينه ، أو دارا فأجرها سنين رجع جميع ذلك لحكم أصله من التجارة فإن كان للتجارة لا يبطل إلا بنية القنية ، والعبد المأخوذ ينزل منزلة أصله قال ابتاع عبدا للتجارة فكاتبه فعجز سند في شرح المدونة فلو ففي استئناف الحول بعد البيع ابتاع الدار بقصد الغلة روايتان ولو ابتاعها للتجارة والسكنى لمالك أيضا قولان مراعاة لقصد التنمية بالغلة والتجارة ، أو فلمالك ؛ لأنه الأصل في العروض فإن اشترى ولا نية له فهي للقنية ؛ لأنه الأصل فيها والفرق بين هاتين القاعدتين يقع ببيان قاعدة ثالثة شرعية عامة في هذا الموطن وغيره وهي أن كل ما له ظاهر فهو ينصرف إلى ظاهره إلا عند قيام المعارض أو الراجح لذلك الظاهر وكل ما ليس له ظاهر لا يترجح أحد محتملاته إلا بمرجح شرعي ولذلك انصرفت العقود المطلقة إلى النقود الغالبة في زمان ذلك العقد ؛ لأنها ظاهرة فيها ، وإذا وكل إنسان إنسانا فتصرف الوكيل بغير نية في تخصيص ذلك التصرف بالموكل فإن ذلك التصرف من بيع وغيره ينصرف للمتصرف الوكيل دون موكله ؛ لأن الغالب على تصرفاته أنها لنفسه وكذلك تصرفات المسلمين إذا أطلقت ولم تقيد بما يقتضي حلها ولا تحريمها فإنها تنصرف للتصرفات المباحة دون المحرمة ؛ لأنه ظاهر [ ص: 196 ] حال المسلمين ولذلك التغليب للنية في القنية على نية التنمية عرفا ؛ لأنه ظاهرها ولا يحتاج إلى التصريح بها كمن استأجر قدوما فإنه ينصرف إلى النجر ؛ لأنه ظاهر حاله دون العزاق وعجن الطين ومن استأجر عمامة فإنه ينصرف إلى الاستعمال في الرءوس دون الأوساط ؛ لأنه ظاهر حالها وكذلك القميص ينصرف إلى اللبس ، وكل آلة تنصرف إلى ظاهر حالها عند الإطلاق ، ولا يحتاج المتعاقدان إلى التصريح بذلك بل يكفي ظاهر الحال وكذلك استئجار دواب الحمل ينصرف عقد الإجارة فيها للحمل دون الركوب ، وعكسه دواب الركوب ، ويكتفى في جميع ذلك بظاهر حال المعقود عليه تنصرف العقود والأعواض إلى المنفعة المقصودة من العين وترددها أيضا بين رتبها الخاصة بها كالفريضة والتطوع والنذور والكفارات والقضاء والأداء وغير ذلك كما احتاجت الكنايات في باب الطلاق والعتاق والظهار وغير ذلك إلى النيات لترددها بين تلك المقاصد وغيرها بخلاف صريح كل باب فإنه ينصرف لذلك الباب بظاهره واستغني عن النية بظاهره فخرجت قاعدة عروض القنية وقاعدة عروض التجارة على هذه القاعدة وهي قاعدة حسنة يتخرج عليها كثير من فروع الشريعة . واحتاجت العبادات للنيات لترددها بين العبادات والعادات
[ ص: 196 ]