( الفرق الثاني والعشرون والمائة بين قاعدة وبين قاعدة التشريك في العبادات ) الرياء في العبادات
اعلم أن الرياء في العبادات شرك وتشريك مع الله تعالى في طاعته وهو موجب للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة كما نص عليه الإمام المحاسبي وغيره ويعضده ما في الحديث الصحيح أخرجه وغيره { مسلم } فهذا ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى وكذلك قوله تعالى { أن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته له أو تركته لشريكي وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } يدل على أن غير المخلصين لله تعالى ليسوا مأمورين به وما هو غير مأمور به لا يجزى عن المأمور به فلا يعتد بهذه العبادة وهو المطلوب وتحقيق هذه القاعدة وسرها وضابطها أن يعمل العمل المأمور به والمتقرب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى وأن يعظمه الناس أو يعظم في قلوبهم فيصل إليه نفعهم أو يندفع عنه ضررهم فهذا هو قاعدة أحد قسمي الرياء والقسم الآخر أن يعمل العمل لا يريد به وجه الله تعالى ألبتة بل الناس فقط ويسمى هذا القسم رياء الإخلاص والقسم الأول رياء الشرك لأن هذا لا تشريك فيه بل خالص للخلق والأول للخلق ولله تعالى وأغراض الرياء ثلاثة التعظيم وجلب المصالح الدنيوية ودفع المضار الدنيوية والأخيران يتفرعان عن الأول فإنه إذا عظم انجلبت إليه المصالح واندفعت عنه المفاسد فهو الغرض الكلي في الحقيقة فهذه قاعدة الرياء المبطلة للأعمال المحرمة بالإجماع .
وأما مطلق التشريك كمن جاهد ليحصل طاعة الله بالجهاد وليحصل المال [ ص: 23 ] من الغنيمة فهذا لا يضره ولا يحرم عليه بالإجماع لأن الله تعالى جعل له هذا في هذه العبادة ففرق بين جهاده ليقول الناس إنه شجاع أو ليعظمه الإمام فيكثر إعطاءه من بيت المال فهذا ونحوه رياء حرام وبين أن يجاهد ليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو فهذا لا يضره مع أنه قد أشرك ولا يقال لهذا رياء بسبب أن الرياء ليعمل أن يراه غير الله تعالى من خلقه والرؤية لا تصح إلا من الخلق فمن لا يرى ولا يبصر لا يقال في العمل بالنسبة إليه رياء والمال المأخوذ في الغنيمة ونحوه لا يقال إنه يرى أو يبصر فلا يصدق على هذه الأغراض لفظ الرياء لعدم الرؤية فيها وكذلك من حج وشرك في حجه غرض المتجر بأن يكون جل مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك أو غير مقصود ويقع تابعا اتفاقا فهذا أيضا لا يقدح في صحة الحج ولا يوجب إثما ولا معصية وكذلك من صام ليصح جسده أو ليحصل له زوال مرض من الأمراض التي ينافيها الصيام ويكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصوده مع ذلك وأوقع الصوم مع هذه المقاصد لا تقدح هذه المقاصد في صومه بل أمر بها صاحب الشرع في قوله صلى الله عليه وسلم { } أي قاطع فأمر بالصوم لهذا الغرض فلو كان ذلك قادحا لم يأمر به عليه الصلاة والسلام في العبادات وما معها ومن ذلك أن يجدد وضوءه وينوي التبرد أو التنظيف وجميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق بل هي تشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات فظهر الفرق بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات غرضا آخر غير الخلق مع أن الجميع تشريك نعم لا يمنع أن هذه الأغراض المخالطة للعبادة قد تنقص الأجر وأن العبادة إذا تجردت عنها زاد الأجر وعظم الثواب أما الإثم والبطلان فلا سبيل إليه ومن جهته حصل الفرق لا من جهة كثرة الثواب وقلته . يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء
[ ص: 23 ]