باب في الاختلاف في السلم وغيره من بيوع الآجال والنقد
الاختلاف في السلم على ثمانية أوجه:
في الكيل، وفي الجودة، وفي الصنفين هل هو قمح أو شعير، وفي الجنسين، هل هو قمح أو تمر، وفي المكيلة التي يقبض بها، وفي الأجل ، وفي الموضع الذي يقبض فيه، وفي الصحة والفساد، وفي الثمن، يقول: أسلمت هذا الثوب إليك ، ويقول الآخر: هذا الثوب والعبد.
فقال مالك: كان القول قول المسلم إليه أنه في خمسة، فإن أتى بما لا يشبه، كان القول قول المسلم أنه في عشرة ويأخذها ; لأنهما اتفقا أنها صفة واحدة في الذمة. بخلاف اللذين اختلفا في الكراء، فقال المكري: إلى إذا اختلفا في الكيل ، فقال: أسلمت إليك في عشرة، وقال الآخر: في خمسة، برقة، وأتى بما لا يشبه، وقال الآخر: إلى إفريقية، وأتى بما يشبه، وبلغا برقة أنهما يتحالفان ويتفاسخان فيما لم يقر ببيعه ; لأن اختلافهما في العبد في سلعة معينة، فأشبه [ ص: 2978 ] من قال: بعتك خمسة أقفزة، وأتى بما لا يشبه، وقال الآخر: خمسة وهذا العبد، وأتى بما يشبه أن يكون كثرة ذلك الثمن يكون لهما جميعا، فلا يقبل قول المشتري على البائع في العبد أنه باعه منه.
وإن اختلفا في الكيل بعد الطول أو حلول الأجل كان القول قول المسلم إليه.
واختلف إذا كان اختلافهما في القرب:
فقيل: القول قول المسلم إليه بنفس قبض الدنانير. وقال غير في كتاب الرواحل: إن قال: بعتك بهذه المائة التي قبضت منك مائة إردب إلى سنة، كان القول قوله . ابن القاسم
يريد; لأنه بالقبض مؤتمن على العوض، وقيل: حتى يبين بها.
وقيل: حتى يطول الأمر، فإن لم يطل تحالفا وتفاسخا .
وقيل: وإن طال الأمر تحالفا وتفاسخا، ويرجع إلى الوسط من سلم الناس .
وأرى أن يتحالفا ويتفاسخا إذا لم يطل، فإن طال كان من حق دافعها أن لا ترد إليه; لأن القصد من المسلم إليه تعجيل الانتفاع بها ، ولهذا يسلم في الشيء أقل مما يباع به بالنقد، والانتفاع بها من يوم قبضها إلى يوم اختلفا، كشيء قبضه ليدفع عنه عوضا، فلم يكن له أن يقبض تلك المنفعة، [ ص: 2979 ] ثم يرد إلا من غير شيء.
وكذلك القرض إلى أجل إنما يهب المنافع إلى تلك المدة، فإن قام المسلم بحقه في الانتفاع بماله لم يمكن الآخر من التحالف ورده، وإن قال المسلم: أنا أسقط حقي في الانتفاع بها ونتحالف ونتفاسخ، كان ذلك له.
وقد اختلف في هذا الأصل، فقال في من -: كان ذلك له . اشترى سلعة ثم وجد بها عيبا بعد أن حدث عنده بها عيب، فقال البائع: أنا أسقط مقالتي في العيب، فإن شئت قبلت ولا شيء لك، أو رددت ولا شيء عليك
قال عيسى: ليس ذلك له، وكذلك السلم.
وإن كان رأس مال السلم مكيلا أو موزونا، فإن لم يطل، ولم يفت ولم تتغير سوقه، تحالفا وتفاسخا، وإن استهلكه المشتري وانتفع به وطال، كان القول قول المسلم إليه إلا أن يسقط المسلم مقالته فيه، وإن تغير سوقه، كان فوتا وكان القول قول المسلم إليه.
وإن فإن لم يفت الثوب ولا تغير سوقه تحالفا وتفاسخا، سواء طال ذلك أو حل الأجل أو لم يحل; لأنه لم ينتفع به، ولو انتفع به لتغير في نفسه. أسلم ثوبا في طعام ثم اختلفا في الكيل،
وإن تغير أو حال سوقه، كان القول قول المسلم إليه إن أتى بما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه كان القول قول المسلم، وإن أتى بما لا يشبه رد إلى الوسط مما يشبه أن يسلم فيه.
وكذلك من باع سلعة بثمن إلى أجل ثم اختلفا فيه ، وأتيا بما لا يشبه رد [ ص: 2980 ] إلى ما يشبه - أن يباع به إلى ذلك الأجل; لأنه بيع صحيح، بخلاف الفاسد; لأن الفاسد يسقط من الذمة ما تراضيا عليه، ويرجع إلى القيمة نقدا.
وإذا كان السلم صحيحا فالذمة عامرة بمكيلة تقبض إلى أجل اختلفا في قدرها، فيردا إلى ما يشبه أن يكون اشتغلت به تلك الذمة.