فصل [في من باع سلعة بمائة دينار على أن يتجر بثمنها سنة]
من المدونة قال في من مالك كان ذلك جائزا إذا كان اشترط إن تلف المال أخلفه له البائع. قال: كالذي يستأجر رجلا يرعى له غنما بأعيانها فإن لم يشترط خلفها فلا خير فيه. باع سلعة بمائة دينار وعلى أن يتجر بثمنها سنة
وقال في الدنانير: ذلك جائز وإن لم يشترط خلفها. سحنون
قال الشيخ أبو الحسن -رضي الله عنه-: الكلام على هذه المسألة من خمسة أوجه:
أحدها: خلف المال وإخراجه من الذمة.
والثاني: معرفة الصنف الذي يتجر فيه وكونه موجودا في الشتاء والصيف.
والثالث: الحكم في الربح والخسارة. [ ص: 4920 ]
والرابع: إذا استحقت السلعة المبيعة أو ظهر منها عيب.
والخامس: موت العامل أو مرضه.
وقد تقدم ذكر الاختلاف في خلف الدنانير، وقول أبين، فإن ضاعت الدنانير كان للبائع أن يخلفها لأنه لم يشترط ألا يخلفها، وإنما قال: أتجر بثمنها. ومحمل الأمر عندهم على السلامة فإن ضاعت كان الحكم الخلف إلا أن يعلم أن البائع لا يقدر على الخلف فتقع المحاسبة، بمنزلة ثوب اللابس يستأجر على خياطته وصناعته فيضيع فإنه لا خلف عليه، وإن شرط ألا يخلف الدنانير إن ضاعت وأن يحاسب بقدر ما عمل جاز ذلك إذا كان ممن يتعذر عليه الخلف، أو كان ممن لا يتعذر عليه وكانت الإجارة كثيرة النصف فأكثر، فإن كانت يسيرة جاز عند سحنون على قوله في من باع نصف ثوب على أن يبيع له النصف الآخر، ويؤمر المشتري أن يشهد على إخراج الثمن من ذمته، فإن لم يشهد وكان قد جلس في دكان ليبيع ويشتري النصف الآخر الذي دخل عليه، قام ذلك مقام الإشهاد، فإن ادعى خسارة قبل قوله، وإن أتى بربح أخذ منه، وإن كان تجره مما يخفى هل هو لنفسه [ ص: 4921 ] أو لرب المال; لأن تلك كانت تجارته كان ذلك أشكل; يقبل قوله أيضا، وقد قال ابن القاسم في "العتبية" في من أمر غريمه أن يشتري له بما له عليه من الدين سلعة فقال المشتري: اشتريتها فضاعت، أنه يقبل قوله. يريد: لأنه مؤتمن على الشراء فكان القول قوله أنه فعل ما اؤتمن عليه وهو الشراء، ومن اشترى لم يتهم أن يقر للبائع بالثمن. ابن القاسم
وهو في هذه المسألة أبين لطول الأمد وجلوسه في البيع والشراء أن لا أن يقول: أخرجته فضاع قبل أن يشتري فلا يقبل قوله، وإن أتى بربح كان للبائع أن يأخذه وهو ها هنا بخلاف دين تقرر في الذمة على أن لا يتجر به ثم تجر فيه; لأن التجر ها هنا كان شرطا في أصل البيع قبل أن يتقرر الدين في الذمة فلم يكن ها هنا للتهمة مدخل; لأنهما لو شاءا أن يعقدا البيع على ما أتى به الآن من الثمن وربحه لجاز. وأما ما يتجر فيه فمن شرطه ثلاثة:
أحدها: أن يسمي صنفه.
والثاني: أن يكون موجودا في الشتاء والصيف.
والثالث: أن يكون ممن يريد متصل التجر.
فإن اشترط أن يشتري شيئا فيرفعه حتى يتغير سوقه فيبيعه لم يجز; لأنه غرر لا يدري هل يتغير سوقه في السنة مرتين أو أكثر أو يكسد فتخرج السنة ولم يبع فلا يدري ما باع من [ ص: 4922 ] منافعه. ولو شرط أنه يتجر فيه في تلك السنة مرتين لم يجز; لأنه نقد بعض السلعة في منافع رجل بعينه ليقبضها إلى أجل.
لم يجز، وهو في هذا بخلاف أن يكون العمل متصلا. ولو استأجر رجلا بدنانير نقدا ليعمل له عملا بعضه الآن وبعضه بعد ستة أشهر
وأما الربح فإن كان قدره في مثل ما جلس فيه للإجارة متقاربا جاز أن يشترط دخوله في التجر، وإن كان متباينا لم يجز. وكذلك الخسارة إن شرط أنها لا تجبر وكان ذلك مما يكون نادرا أو يسيرا جاز، وإن كانت كثيرا مما ينزل ويتباين قدرها لم يجز.
وأما الاستحقاق، فإن كان بعد أن يعمل نصف السنة كان للمشتري أن يسلم للبائع ما في يديه على هيئته وقت الاستحقاق وإن كان عروضا ويرجع بالمائة دينار وبأجرة المثل على الشهور الماضية.
وكذلك الجواب إذا ظهر على عيب ولم تفت السلعة فإنه يردها ويرجع بالمائة وبالإجارة، فإن فاتت بهبة أو تلف أو صدقة ورجع بقيمة العيب، فإن كانت قيمته العشر رجع بعشرة دنانير وبعشر قيمة المنافع عن الشهور الماضية، ويسقط عنه العمل في المستقبل في عشر المائة، ويكون له أن يتجر لنفسه [ ص: 4923 ] في قدرها، وإن كان لا يقدر أن يتجر فيها ناحية كان له أن يتجر في جميع المائة، ويغرم البائع قيمة عشر المنافع في المستقبل ويصير بمنزلة ما لا ينقسم، وإن فاتت بعيب فأحب أن يتمسك رجع بقيمة العيب حسب ما تقدم لو هلكت أو خرجت من يده، فإن أحب أن يرد رد وما ينوب العيب من الثمن.
فإن قيل: إنه ينقص العشر من أصل الثمن وهو التسع بعد طرح العيب رجع المشتري في تسعين دينارا وقيمة تسعة أعشار المنافع على الماضي، ويسقط العمل في المستقبل; لأنه أقل المنافع فإن كانت قيمة الإجارة مائة كان الباقي عند المشتري قيمة ربع العيب وهو الذي يغرم للبائع.