فصل [في تسلف المودع الوديعة فقيرا كان أو موسرا]
وليس للمودع أن يتسلف الوديعة إذا كان فقيرا.
ويختلف إذا كان موسرا والوديعة دنانير أو دراهم، وليس له ذلك إذا كانت عروضا أو مما يقضى فيه بالقيمة، ولا مما يكال أو يوزن إذا كان مما يكثر اختلافه، ولا كان يتحصل أمثاله كالكتان.
واختلف في القمح والشعير وما أشبهه هل يلحق في الجواز بالدنانير والدراهم؟ فأما الدنانير والدراهم فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: فمنع ذلك [ ص: 5990 ] في كتاب اللقطة، وكره ذلك في العتبية، ثم أجازه مالك وقال: وقد أجازه بعض الناس. إذا أشهد على سلفها
وقال إن كانت مربوطة أو مختومة لم يجز، وإن كانت بغير رباط ولا ختم جاز. عبد الملك:
وأرى أن ينظر إلى المودع، فإن كان يعلم منه أنه لا يكره ذلك فيما بينه وبين المودع لأمانته أو لكرم طبعه جاز، وإن كان يعلم منه الكراهية لم يجز; لأنه لو جحد ذلك عليه حين الدفع أو قال: أحرم عليك أن تتسلفها، لم يختلف أنه ممنوع من الانتفاع بها، وإذا أشكل أمره كره ذلك.
وأما القمح والشعير والزيت وأشباه ذلك فظاهر قول في المدونة: إنه إن تسلفها مضت على وجه السلف; لأنه أجاز إذا تسلفها أن يخرج المثل من ذمته كالدراهم، فلو كانت عنده مما تختلف فيه الأغراض كالعروض لم يصح إخراج المثل من الذمة ولم يجز السلف، وهو قول ابن القاسم أنه ضامن إذا خلطها كالعروض، فلا يجوز على هذا تسلفها. عبد الملك
وقال محمد فيمن كان لصاحبها أن يأخذ الثمن إن شاء، فلم يجز السلف، وهو أحسن. استودع حنطة فباعها لنفسه:
ولا أرى لأحد اليوم أن يتسلف شيئا من ذلك; لأن المعهود من الناس أنهم لا يرضون ذلك ولا يحل التصرف في ملك إنسان بغير إذنه . [ ص: 5991 ]