وأما الصنف الثالث فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء .
فإن قلت : ؟ وإذا رأى صورة فهل هي صورته الحقيقية أو هو مثال يمثل له به فإن كان على صورته الحقيقية ? فكيف يرى بصور مختلفة ? وكيف يرى في وقت واحد في مكانين وعلى صورتين حتى يراه شخصان بصورتين مختلفتين ? فاعلم أن الملك والشيطان لهما صورتان هي حقيقة صورتهما ولا تدرك حقيقة صورتهما بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة ، فكيف يتمثل الشيطان لبعض الناس دون البعض جبرائيل - عليه السلام في صورته إلا مرتين ، وذلك أنه سأله أن يريه نفسه على صورته فواعده بالبقيع ، وظهر له بحراء فسد الأفق من المشرق إلى المغرب ، ورآه مرة أخرى على صورته ليلة المعراج عند سدرة المنتهى وإنما كان يراه في صورة الآدمي غالبا فكان يراه في صورة دحية الكلبي وكان رجلا حسن الوجه والأكثر أنه يكاشف أهل المكاشفة من أرباب القلوب بمثال صورته ، فيتمثل الشيطان له في اليقظة فيراه بعينه ويسمع كلامه بأذنه فيقوم ، ذلك مقام حقيقة صورته ، كما ينكشف في المنام لأكثر الصالحين ، وإنما المكاشف في اليقظة هو الذي انتهى إلى رتبة لا يمنعه اشتغال الحواس بالدنيا عن المكاشفة التي تكون في المنام ، فيرى في اليقظة ما يراه غيره في المنام ، كما روي عن فما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رحمه الله أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب ابن آدم ، فرأى في النوم جسد رجل شبه البلور يرى داخله من خارجه ، ورأى الشيطان في صورة ضفدع قاعد على منكبه الأيسر بين منكبه وأذنه له خرطوم طويل دقيق قد أدخله من منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه ، فإذا ذكر الله تعالى خنس ومثل هذا قد يشاهد بعينه في اليقظة ، فقد رآه بعض المكاشفين في صورة كلب جاثم على جيفة يدعو الناس إليها ، وكانت الجيفة مثال الدنيا وهذا يجري مجرى مشاهدة صورته الحقيقية ، فإن القلب لا بد وأن تظهر فيه حقيقة من الوجه الذي يقابل عالم الملكوت وعند ذلك يشرق أثره على وجهه الذي يقابل عالم الملك والشهادة ; لأن أحدهما متصل بالآخر وقد بينا أن القلب له وجهان وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل الإلهام والوحي ووجه إلى عالم الشهادة ، فالذي يظهر منه في الوجه الذي يلي جانب عالم الشهادة لا يكون إلا صورة متخيلة ؛ لأن عالم الشهادة كله متخيلات إلا أن الخيال تارة يحصل من النظر إلى ظاهر عالم الشهادة بالحس ، فيجوز أن لا تكون الصورة على وفق المعنى حتى يرى شخصا جميل الصورة وهو خبيث الباطن قبيح السر ، لأن عالم الشهادة عالم كثير التلبيس . عمر بن عبد العزيز
أما الصورة التي تحصل في الخيال من إشراق عالم الملكوت على باطن سر القلوب فلا تكون إلا محاكية للصفة وموافقة لها لأن الشيطان في صورة كلب وضفدع للصفة وموافقة لها ، فلا جرم لا يرى المعنى القبيح إلا بصورة قبيحة ، فيرى الشيطان في صورة كلب وضفدع وخنزير وغيرها ويرى الملك في صورة جميلة ، فتكون تلك الصورة عنوان المعاني ومحاكية لها بالصدق ؛ ولذلك يدل القرد والخنزير في النوم على إنسان خبيث وتدل الشاة على إنسان سليم الصدر وهكذا جميع أبواب الرؤيا والتعبير وهذه أسرار عجيبة وهي من أسرار عجائب القلب ، ولا يليق ذكرها بعلم المعاملة .
وإنما المقصود أن تصدق بأن تارة بطريق التمثيل والمحاكاة كما يكون ذلك في النوم ، وتارة بطريق الحقيقة ، والأكثر هو التمثيل بصورة محاكية للمعنى هو مثال المعنى لا عين المعنى ، إلا أنه يشاهد بالعين مشاهدة محققة ، وينفرد بمشاهدته المكاشف دون من حوله كالنائم . الشيطان ينكشف لأرباب القلوب ، وكذلك الملك