الدرجة الثالثة ، كالذي يستقصي في التدبيرات الدقيقة في تفصيل الاكتساب ووجوهه ، وذلك يخرج بالكلية عن درجات التوكل كلها وهو الذي فيه الناس كلهم أعني من يكتسب بالحيل الدقيقة اكتسابا مباحا لمال مباح فأما أخذ الشبهة أو اكتساب بطريق فيه شبهة فذلك غاية الحرص على الدنيا والاتكال على الأسباب فلا يخفى أن ذلك يبطل التوكل وهذا مثل الأسباب التي نسبتها إلى جلب النافع مثل نسبة الرقية والطيرة والكي ، بالإضافة إلى إزالة الضار فإن النبي : صلى الله عليه وسلم : وصف المتوكلين بذلك ولم يصفهم بأنهم لا يكتسبون ، ولا يسكنون الأمصار ، ولا يأخذون من أحد شيئا ، بل وصفهم بأنهم يتعاطون هذه الأسباب وأمثال هذه الأسباب التي يوثق بها في المسببات مما يكثر ، فلا يمكن إحصاؤها ، وقال ملابسة الأسباب التي يتوهم إفضاؤها إلى المسببات من غير ثقة ظاهرة سهل في التوكل إنه ترك التدبير وقال إن الله خلق الخلق ولم يحجبهم عن نفسه وإنما حجابهم بتدبيرهم ، ولعله أراد به استنباط الأسباب البعيدة بالفكر فهي التي تحتاج إلى التدبير دون الأسباب الجلية فإذا قد ظهر أن الأسباب منقسمة إلى ما يخرج التعلق بها عن التوكل ، وإلى ما لا يخرج وأن ، الذي يخرج ينقسم إلى مقطوع به ، وإلى مظنون وأن المقطوع به لا يخرج عن التوكل عند وجود حال التوكل وعلمه ، وهو ، فالتوكل فيها بالحال والعلم لا بالعمل ، وأما المظنونات . الاتكال على مسبب الأسباب
فالتوكل فيها بالحال والعلم والعمل جميعا ، والمتوكلون في ملابسة هذه الأسباب على ثلاثة مقامات : الأول مقام الخواص ونظرائه وهو الذي يدور في البوادي بغير زاد ثقة بفضل الله تعالى عليه في تقويته على الصبر أسبوعا وما فوقه أو تيسير حشيش له أو قوت أو تثبيته على الرضا بالموت إن لم يتيسر شيء من ذلك ، فإن الذي يحمل الزاد قد يفقد الزاد ، أو يضل بعيره ، ويموت جوعا ، فذلك ممكن مع الزاد ، كما أنه يمكن مع فقده .