ثم يقال له في الوجه الثاني عشر: إن كثيرا مما سمى مكانا وحيزا وجهة للإنسان يكون مفتقرا إليه، بل ولغير الإنسان أيضا، فمن قال: إن المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي [ ص: 626 ] الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي كبطانة قميص اللابس كان كثير من الأمكنة محتاجا إلى الممكن كاحتياج القميص إلى لابسه واستغناء صاحبه عنه.
وكذلك وتلك تكون داخلة فيه فلا تكون مستغنية عنه مع حاجته إليها. وقد يراد به الشيء المنفصل عنه الذي يحيط به كالقميص المخيط، وهذا قد يكون مفتقرا إلى الإنسان كقميصه وقد يكون مستغنيا عنه، وإن كان مستغنيا عن الإنسان لكن الإنسان لا يحتاج إلى حيز معين خارج عن ذاته بحال، بل وكذلك جميع الموجودات حيزها إما حدودها المحيطة بها ونهاياتها وهي منها فتلك لا توصف بالاستغناء عنها، وإما ما يحيط بها منفصلا عنها فليس في المخلوقات ما يحتاج إلى حيز بعينه. الحيز قد ذكرنا أنه يراد به حدود الشيء المتصلة به التي تحوزه وهو جوانبه.
وأما والمتوجه لا يفتقر إلى جهة بعينها [ ص: 627 ] بحال. الجهة فهي لا تكون جهة إلا بالتوجه، فهي مفتقرة في كونها جهة إلى المتوجه
وإذا كانت المخلوقات لا تفتقر إلى حيز موجود وجهة موجودة أو مكان موجود بعينه، وإن كان فيها ما يفتقر إلى نوع ذلك على البدل وما يسمى لها مكانا قد يفتقر إليها، وكذلك ما يسمى حيزا لها متصلا أو منفصلا قد يكون مفتقرا إليها، وكذلك الجهة مفتقر إليها في معنى كونها جهة كان دعوى افتقار المتحيزات للحيز مع استغناء الحيز عنه في حق المخلوقات ليس على إطلاقه، بل إطلاق ذلك دعوى باطلة، فكيف في حق الخالق الغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما سواه .