[ ص: 364 ] فصل يتعلق بما قبله تقدم ذكر ، ويروى عن الحمية من التمر للرمد : أنه { علي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه تمر يأكله أرمد ، فقال : يا وعلي تشتهي ؟ ورمى إليه بتمرة ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعا . ثم قال : حسبك يا علي علي } وذكر أبو نعيم في الطب النبوي { : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها } .
الرمد ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين ، وهو بياضها الظاهر ، وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة أو ريح حارة تكثر كميتها في الرأس والبدن فينبعث منها قسط إلى جوهر العين أو يضربه نصيب العين فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقدارا كثيرا تروم بذلك شفاءها مما عرض لها ; ولأجل ذلك يورم العضو المضروب ، والقياس يوجب ضده .
واعلم أنه كما يرتفع من الأرض إلى الجو بخاران : أحدهما حار يابس ، والآخر حار رطب فينعقدان سحابا متراكما ويمنعان أبصارنا من إدراك السماء فكذلك ، فإن قويت الطبيعة على ذلك ورفعته إلى الخواشيم أحدث الزكام ، وإن دفعته إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخناق ، وإن دفعته إلى الجنب أحدث الشوصة ، وإن دفعته إلى الصدر أحدث النزلة ، وإن انحدر إلى القلب أحدث الخبطة ، وإن دفعته إلى العين أحدث رمدا ، وإن انحدر إلى الجوف أحدث السيلان ، وإن دفعته إلى منازل الدماغ أحدث النسيان ، وإن ترطبت أوعية الدماغ منه وامتلأت به عروقه أحدث النوم الشديد ، ولذلك كان النوم رطبا والسهر يابسا ، وإن طلب البخار النفوذ من الرأس فلم يقدر عليه أعقبه الصداع والسهر . يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثل ذلك فيمنعان الفكر ويتولد عنهما علل شتى
وإن مال البخار إلى أحد شقي الرأس [ ص: 365 ] أعقبه الشقيقة ، وإن ملك قمة الرأس ووسط الهامة أعقبه داء البيضة ، وإن برد منه حجاب الدماغ أو سخن أو ترطب وهاجت منه أرياح أحدث العطاس ، وإن أهاج الرطوبة البلغمية فيه حتى غلب الحار الغريزي أحدث الإغماء والسكات ، وإن أهاج المرة السوداء حتى أظلم هواد الدماغ أحدث الوسواس ، وإن أفاض ذلك إلى مجاري العصب أحدث الصرع الطبيعي ، وإن ترطبت مجامع عصب الرأس وفاض ذلك في مجاريه أعقبه الفالج ، وإن كان البخار من مرة صفراء ملتهبة محمية الدماغ أحدث البرسام ، فإن شركه الصدر في ذلك صار سرساما .
واعلم أن الأخلاط هائجة وقت والجماع يزيدها فإنه حركة كلية للبدن والروح والطبيعة فالبدن يسخن بالحركة ، والنفس تشتد حركتها طلبا للذة وكمالها . والروح تتحرك تبعا لحركة النفس والبدن ، فإن أول تعلق الروح من البدن بالقلب ، ومنه تنشأ الروح وتنبث في الأعضاء ، وأما حركة الطبيعة فلأنها ترسل ما يجب إرساله من المني ، وكل حركة فهي مثيرة للأخلاط مرققة لها توجب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضعيفة ، والعين أضعف ما تكون حال رمدها فعلاج الرمد بالحمية مما يهيج الرمد . وترك الحركة ، وأضرها حركة الجماع وترك مس العين بالراحة . الرمد
قال بعض السلف : مثل أصحاب محمد مثل العين ودواء العين ترك مسها ، وفي خبر مرفوع { : علاج الرمد تقطير الماء البارد في العين } وهو للرمد الحار من أعظم الدواء ، ويأتي خبر ، وذلك أن الرمد ورم الملتحم أو تكدره ، وقد يكفي في نوع التكدر تقطير لبن النساء ، وبياض البيض قال الأطباء : ويدبر في كل أنواع الرمد بالتدبير اللطيف ; فيغذى المزودات ويسقى شراب اللوفر مع السكنجبين . ابن مسعود
ويمنع من الحوامض الصرفة والقابضة والمالحة وعن كل ما يرطب ومن الطعام الرديء الكيموس وإن تاقت نفسه إلى الفاكهة فمن السفرجل والكمثرى . ويمنع من أكل الحلوى ويجعل في بيت ليس قوي الضوء ويكون عنده ورق الخلاف ، والآس الرطب رائحته تقوي الدماغ ويأتي ما يسكن الوجع في علاج لدغة العقرب ، قال [ ص: 366 ] والتمر حار قال ابن جزلة : رطب غليظ كثير الإغذاء يورث إدمانه غلظا في الأحشاء ويورث السدد ويفسد الأسنان ويزيد في الدم والمني لا سيما مع حب الصنوبر ، ويصدع ويصلحه اللوز والخشخاش وبعده سكنجبين ساذج وهو مقو للكبد ويبرئ للطبع ملين من خشونة الحلق ، وأكله على الريق يضعف الدود ويقتله .
وقال بعضهم : ما فيه من الأذى لمن لم يعتده . وباقي أيضا في الصحيحين عن . سعد
وفي الرمد منافع كالحمية والاستفراغ وزوال الفضلة والعفونة والكف عما يؤذي النفس والبدن كحركة عنيفة وغضب وهم وحزن . قال بعض السلف لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عرق العمى .